إنَّ هذا المفهوم يستخدم في معان كثيرة ومختلفة ، فتارة يراد منه الواقع الحقيقي كما ورد في النص أنَّ الله حق وأنَّ الجنة والنار حق وأنَّ الموت حق وغير ذلك من المفاهيم التي يراد منها الوجود الحقيقي والواقع الأكيد...وتارة يراد منه معنى الإباحة يعني ذلك من قبيل أنَّ الإنسان له الحق في المأكل والملبس والمسكن وما شابه ذلك ولا يحق لأحد أن يمنعه لأنه حق مباح له... وثالثاً : يراد منه ما يلازم التكليف على الآخرين بمعنى أنَّ الإنسان الدائن له الحق في طلب دينه من المدين في الوقت المحدد أو من قبيل حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي كما هو الحال والسائد في المصطلحات الدينية...لا نقاش هنا في المعنى الأول والثاني لأنهما واضحين لكل من يثبت له هذا المعنى وإنما الكلام في المعنى الثالث بحيث عندما يكون الحق لله او للناس فهنا يستتبع تكليفاً ولا بد هنا من إحراز هذا المعنى والخروج من عهدته ، ولهذا فإنَّ عملية تدبير شؤون الدولة سواء دينية أم غير دينية دائماً تكون على حساب المحكوم كما هو السائد في التاريخ الإسلامي والتصور القديم للحاكم والزعيم والفقيه حيث كان الحق معه وليس للبشر سوى الإنقياد والطاعة لأن شرعيته مستمدَّة ومكتسبة من الله وليس لأحد الإعتراض عليه وخصوصاً عندما أوجدوا النصوص التي يعتمدوا عليها وإضفاء الصبغة الدينية في تقوية هذا المعنى الذي يسلب هذا الحق عن الإنسان..فهذا يتنافى مع أصالة الإنسان وأنه حق من حقوق الناس في إختيار من يمثلهم في الإدارة والحياة السياسية وحينها تكون الحكومة ملزمة بتأمين الحرية والأمن وسائر الحقوق المشروعة...فهذا المفهوم نراه في المجتمعات المتقدمة في عملية بناء المجتمع والعمل السياسي وبناء المؤوسسات لأنه حق من حقوقهم في إنتخاب الرئيس أو الولي  تماماً كما لهم الحق في المسكن والمأكل وما شاكل ذلك. لا أن يسلب هذا الحق وجعله تحت غطاء ديني ليدرج تحت المعنى الأول لمفهوم الحق بمبررات دينية وفقهية تأويلية لمنعهم من عملية انتخاب ما يريدون لأنهم ليس لهم أي دور في العملية السياسية والإجتماعية لأنه حق من حقوق الله فيكون هذا العمل السياسي عملاً دينياً وهم مكلَّفون به شرعاً وليسوا معذورين شرعاً وبالتالي قد خالفوا حكم الله ويستحقون العقاب والعذاب الأليم.. إنَّ هذا النمط قد أوقع أنصار الدين والدولة الإلهية والدينية في ورطة من التعقيدات المفهومية والتهويمات الإيديولوجية...إنَّ هذا الحق هو بالأصالة للإنسان الذي خلقه الله تعالى حرَّاً لإمتلاك هذا الأصل وإحتراماً لواقعه وكرامته الذاتية والإيمان بحريته في إختيار الطريق الذي يحدِّده بنفسه (كما ورد في الحديث عن العقل بك أعاقب وبك أثيب ) بخلاف ما يدعوا إليه اتباع العقل الأصولي الذي يرى فيه أنَّ الإنسان قاصر عن النهوض بواجب المسؤولية وبالإستقلال عن الوحي وعن الإختيار الإلهي بتشخيص الحاكم ونمط الحكومة والقوانين والتشريعات في دائرة علاقاته الإجتماعية وشؤونه السياسية ، وهنا لا يعد في هذه الرؤية أنَّ الإنسان الفرد رقماً في عملية تولي السلطة سوى كونه أداة عمياء لتثبيت دعائم القائد والحاكم وتقوية نفوذه وأركانه لحفظ الدين الحنيف...الشيخ عباس حايك