زعموا أنه كان بأرض الدِّمن مملكةٌ كبيرة ينتابها ويقطنها كلاب تحت إمرة واحد منهم، لهم قوانين ونظام ودولة..ويوجد في ذلك المكان شجرة كبيرة وسط الساحة العامَّة ، وهي كثيرة الأغصان والفسيلات وملتفَّة بكثافة ورق ، مسيَّجة بسورٍ صخري ، فيها وُكرُ جُرَذ...لقد غيَّب الموت أميرهم وكبيرهم الذي علَّمهم السحر..اجتمعوا في الساحة العامة تحت فيئ تلك الشجرة بعد إنهاء مراسم الدفن وتوديع الملك ، وأخذوا يوزِّعون بياناً وينشرونه لكل واحد منهم ، مقرَّراً فيه أنَّ الملك الجديد من أهم صفاته أن يأسر سبُعاً ويجُرُّه مقيداً بالحبال والشَّرَك.. ما إن اندفق النهار حتى خرج أحدهم باسطاً ذراعيه بالوصيد ، فسال على مباسط الجبل وهو يفكِّر بمصيدة وحِيَل ، فلم يلبث الاَّ قليلاً حتى ظهر الغبار وعلا وثار ، وبعد ساعة من النهار انجلى للأبصار وانكشف الستار ، بَانَ سَبُعَاً من الكواسر كأنه قطعة من جبل ، زحف الكلب على بطنه زحفاً زحفاً، متوسلاً إليه وأخذ يُقبِّل يده وقدمه، مرحباً مرحباً بك يا سبُعنا المُبجَّل....إسدل لي معروفاً ، وسرد له قصته ودموعه كأنها مياه عَرَاعِر...لي حاجة بتقييدك،حنَّ قلب السَبُع وقال له : إنَّ للسلطة سكرة بعيدة الإفاقة.... فأقسم له الكلب بشرف الثورة والتقدمية والعفَّة والطهارة ،ما إن أصل للمملكة أعدك بفكِّ الشَّرَك، قاده إلى أرض الدِّمن حتى وصل وارتفع فوقه الغبار إلى العنان، حملوه على تلك الأكتاف يا ملكنا...يا لبطلنا والفرسان هذه بوادرك قد طلُعت ، وأسِنَّة رماحك لقد لمعت....وبقي السبُع بشراكه في وسط الساحة مقيَّداً بجذع الشجرة....خرج الجُرَذ من جحره التي قد أعدَّها للمخاوف ، قائلاً ما هذه الفوارس الواصلة إلينا ، والمُكبَّلة عندنا ، إنها ليست من سكان هذه الأرض ولا من تلك الدِّمن، إنها من طوارق الزمان.....ناداه السَبُع متوسِّلاً فُكَّ شَرَاكي وأعدك بأن أرحل، وأقسم لك بشرف الثورة والتقدمية والعفَّة والطهارة،بعدم أذيتك... إنه سَبُع لا يحنث بيمينه....ثمَّ إن الجُرَذ أخذ في قرض تلك الشَرَك التي وقع فيها السَبُع...وسأله:كيف استطاع كلبٌ أرعن أن يوقعك في هذه الورطة؟ حينها خفض برأسه مجيباً :ألم تعلم أنه ليس من الخير والشَّر شيءٌ إلا هو مقدَّرٌ على من تصيبه المقادير،وهي التي أوقعتني في هذه الورطة،فقد لا يمتنع من القدر من هو أقوى منِّي وأعظم أمراً..وقد تنكسف الشمس وينخسف القمر ،إذا قُضي ذلك عليهما.....ما إن حلَّ الجُرَذ تلك العقد حتى مشى السَبُع تاركاً وراءه أرضاً مباركة، متمتماً كيف أعيش عيشة ذُلٍّ في أرضٍ تتلجلج في حبائلها كلابها ، وجُرذانها في حلِّ العُقَد...وعاد الجُرَذ إلى جُحره ،والكلب بقي حارساً على تلك المغارة.....أي مغارة (علي بابا) والأربعون حرامي..( مغارة علي بابا ما لها أبواب...لا قفل لها ولا دقَّارة....فضُّوا الخزينة وكسَّروا العتاب...والجراذين ما خلُّوا حبة طحين بقلب الكوارة)...... الشيخ عباس حايك