قصص وأمثلة في التاريخ البشري تحكي حكايات كريكاتورية وليست صور فتوغرافية من أنَّ رجلين ذهبا يتمنَّيان ، فتمنَّى أحدهما قطيعاً من الضأن يملأ البطاح وتمنَّى الآخر أن يرسل الله على غنمه قطيعاً من الذئاب يأكلها ولا يُبقي منها بقية ، فاقتتلا..وما زالا يقتتلان حتى مرَّ بهما ثالث فعلم سبب الخصومة والنزاع فأفرغ على الأرض زِقَّاً من السَّمن وأقسم ليُجريَنَّ الله دمه ، كذلك السَّمن إنهما لأحمقان... قد يرى الناس أن هذه القصة من صنع الخيال وهي أبعد ما تكون عن الواقع والحقيقة إذ لا يعقل أن يكون هناك نوع من البشر تصل بهم درجة العداوة إلى هذا الحد من الأنانية والحقد والحسد ولكن في الحقيقة والأغلب أشبه ما تكون عليه حالة البشر على هذه الشاكلة وكذلك أيضاً حالة المصلح بينهم..لأن النزاعات في الحياة البشرية التي تؤدي إلى القطيعة والتخاصم والتناحر تكون على الآمال والتمنيات والمطامع الكبرى أكثر بكثير من النزاع على واقع الأشياء الصغيرة التي ليس فيها تخاصم وعداوة أبدية ومطلقة ودائمية ، بل هي عداوة محدودة ومؤقتة تزول بزوال وإنقضاء تلك الأشياء وبعدم الحاجة إليها..أما الخصومة المتولِّدة على المطامع والآمال وحب السلطة والزعامة والرياسة فلا يمكن إنقضائها لأنه مطمع أبدي لا يزال موجود في عالم الغيب وقد تظل في عالم الغيب مدى الحياة ، وهنا المصلحون بين الخصوم يصنعون بأموالهم وأنفسهم أحياناً كثيرة كما صنع صاحب السَّمن الذي أهرقه على وجه الأرض والتراب..حقيقة تاريخية في الصراعات والنزاعات على المناصب والسيطرة والنفوذ والقرار وحب البروز والهيمنة كما هي حقيقة صوَّرها القرآن الكريم في سورة المائدة (واتلُ عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قرَّبا قرباناً فتُقُبِّل من أحدهما ولم يُتقَبَّل من الآخر قال لأقتُلنَّك قال إنما يتقبَّل الله من المتقين) صورة غير فتوغرافية تحكي لنا صراع الأخوة على أمور ذات مطامع كبيرة وآمال عالية كما تحدثنا الروايات التاريخية أنهما إتفقا على صورة الجمال ولكنهما إختلفا لمن هذا الجمال..فالمتفقون في تذوقه يطلبون نوعاً واحداً منه كمن يطلبون جميلة واحدة فيظفر بها واحد ولا يظفر بها جميع طلاَّبها وخطَّابها فيقع النزاع والصراع الذي يؤدي إلى الحروب والديار والعباد..أبعد من حرب الاخوة صراع الجماعات والأحزاب وخصومات الدول والقادة العظماء في التاريخ لم نجد في نهاية الأمر إلاَّ أنها صراعات على الآمال الكبار وأن فسحة الأمل هي التي تضيق بهم وتثير بينهم العداوة وهي ليست بمطالب العيش..لأن صراع أصحاب الأنانية والحقد لا غرابة فيها لأنه في طبيعة هذا الإنسان يحب أن يستأثر ولا يحب أن يشاركه أحد في الخيرات والمغانم والنساء والآمال لكن وجه الإستغراب أن يقع الصراع لأنهم بُرَاء من الحقد والأنانية او لأنهم يحبون الخير للآخرين وهل يوجد أعنف وأشد من نزاع البشر على رضوان الله وأشدُّها نزاعات البشر على السماء بعد الموت..سيرة تاريخية ومأساوية وحروب طاحنة ودامية ثارت في تاريخ الدنيا على أيدي المصلحين، كم حدَّثتنا السيرة التاريخية عن المجازر البشرية التي وقعت وسالت فيها الدماء كجري الأنهار لأنَّ جماعة من رُوَّاد الخير وطلاَّبه يريدون الخير لغيرهم الذي لم يريدوه ويفرضون عليهم الحق الذي لم يفرضوه..وما يزالون مختلفين في الخصام ومتفقين في عدمه.