يحكى أنَّ خالد بن عبد الله القسريِّ كان أميراً على " البصرة " جاء إليه جماعة متعلِّقون بشاب ذي عقل وافر وأدب ظاهر..فسألهم عن خبره فقالوا له : إنه لصٌّ أصبناه ؟ فقال الأمير ما حملك على ذلك..فقال له طمع الدنيا ! هنا أخذ الأمير يفكِّر في أمره ودنى منه قائلاً له إنَّ إعترافك على رؤوس الأشهاد قد رابني ولا أظنك سارقاً ولعلك تريد أمراً غير السرقة...هنا قال له أيها الأمير لا يقع في نفسك شيء سوى ما إعترفت به...أمر الأمير بسجنه فأبدى اللص المزعوم أرتياحاً وتنفَّس الصعداء والهدوء..حرَّاس السجن أخبروا الأمير عن إرتياحه في السجن..فأمرهم الأمير بمعاودة إحضاره وإستنطقه مرَّة أخرى فرآه عاقلا وأديباً فطناً وذات وجه وقور...حضر القاضي مجلس الأمير وحكم عليه بقطع يده لأنَّ السارق حكمه قطع اليد.. إجتمعت الناس ليشهدوا حكم الله بإقامة الحد عليه..فجاؤوا به مكبَّلاً بالحديد والأصفاد وعندما رأى الناس هذا المشهد بكوا عليه جميعاً حتى النساء..صدر الحكم بقطع اليد وأحضروا الجزَّار وأخرج سكيناً وقد مدَّ يد السارق ليقطعها في هذه الأثناء خرجت جارية من وسط الجموع ترتدي اطاراً وسخة ورمت بنفسها عليه ثم أسفرت عن وجهٍ كأنه القمر ضجَّ الناس ضجيجاً وكادت أن تقع فتنة طائرة الشرر...الجارية بدأت بالصراخ بأعلى صوتها قائلة أنشدتك الله أيها الأمير الحاكم لا تعجل بالقطع..حينها إستجاب الأمير لها وقال ما قصَّتك فأخبرته بأنه هذا الشاب جاء ليراني ورمى حجراً ليعلمني بمجيئه أدركه أهلي وإخوتي فلما أحسَّ بذلك سرق قماشاً من البيت فأمسكوا به إخوتي وقالوا إنه لصٌ سارق هنا إعترف بسرقته لكي لا يفضحني.... تعالي أيتها الجارية في وطني واضعي الإصبع خاتماً وأسوار أسرار الأمير خلصينا لقد أكل صدأ الصمت عكاز العمر وخربش مسامعنا سكوت بعيد وسط ضجيج قوافل الفحول الجواهل....تعالي لقد طال صبرنا وسقط في فنجان البصَّارين من السياسين والدينيين.. تعالي حتى يعود لنا الجسد الممزَّق والملقى على رمال النعال...دونك أيتها الجارية نحن رميم في وطن تأكله نار الحقد وبقايا صُوَر..دونك نحن مِزَقٌ مهمَّشين ومهشَّمين تعبثُ بنا الروائح الكريهة وأنفاس من يلتفُّ حولنا في وطني من باعة التين والدين وتجار العملات الرخيصة.. تعالي إلينا وكلنا عاشقون للحرية والكرامة لنبتهل ونتقاسم معك رغيف تراب الوطن..