يمكن أن تكون المشكلة والسبب الذي دفع البعض من أنصار العقل الأصولي الإسلامي ودولة الإسلام إلى الإعتقاد بالحكومة الإلهية هو رأوه من السيرة التاريخية عن دور النبي محمد (ص) عندما جمع بين مقام النبوة ومقام الحكومة على المستوى الواقع الإجتماعي فتصوَّروا أنَّ كلا المقامين دينيَّان إلهيَّان ولا يمكن الفصل بينهما فكما أنَّ النبي منصوب من السماء لمقام ومنصب النبوة يعني ذلك أنه منصوب لمقام الحكومة وبالتالي لا يمكن الفصل بين السلطة الدينية والسلطة السياسية من حيث المنشأ والمصدر وكلاهما واحد...ولكنَّ بعض المفكرين والفقهاء أمثال المرجع السيد علي الأمين قالوا والحال أنَّ قليلاً من التأمل والدِّقة في مضمون هذين المقامين كفيل بإيضاح الصورة وكشف الإلتباس في هذين الموردين ، فالشواهد التاريخية الكثيرة تكشف وتدل على أنَّ النبي (ص) لم يكن في مرحلة ما قبل الهجرة يتمتَّع بسمات الحاكم على المسلمين في مكة بل كان نبياً وهذا ما أشارت إليه الآيات القرآنية في هذا المجال قوله تعالى في سورة الغاشية آية 21 و22 " فذكِّر إنَّما أنت مذكِّر لست عليهم بمسيطر "...فالتأمل في هذه الآيات وغيرها تحصر مهمة النبي في تبليغ الرسالة والدعوة إلى التوحيد والإيمان بالله والأخلاق ونبذ عبادة الأوثان والأحجار والنار والأصنام. وما ورد في المأثور عن النبي حول الإستخلاف والخلافة من بعده  بمعنى من يخلفه في هذه الدعوة وهي التبشير والتبليغ والدعوة إلى عبادة الواحد الأحد...وهنا نلاحظ بعد بيعة الأنصار له فيما يسمَّى العقبة الأولى والثانية وهجرة النبي إلى المدينة حدثت نقلة نوعية في مجمل الدعوة الإسلامية وبدأ النبي محمد (ص) بتشكيل نواة حكومة ومجتمع إسلامي يقوم على أساس الشريعة الإسلامية هذا إن دلَّ على شيء إنما يدل على أنَّ مقام الحكومة والسلطة السياسية جاء بإنتخاب الناس وبيعة المهاجرين والأنصار وإلاَّ لم يكن هناك معنى للبيعة من الأساس فهنا يكون أمر النبي واجب على الناس فيما لو حكم وقرَّر يجب على الناس الإطاعة من حيث كونهم أنتخبوه حاكماً عليهم في الشؤون السياسية والإدارة والحكومة..وهذا ما أشارت إليه الآيات القرآنية من قبيل قوله تعالى " يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إنَّ الله غفور رحيم"...ويمكن لنا في هذا السياق وفي الوقت نفسه أن يختار المسلمون حاكماً يدير شؤونهم الدنيوية والسياسية غير النبي فيبايعونه على هذا الأساس ويبقى النبي في مقام الدعوة والتبليغ كونه مرسلاً من الله لهداية وإرشاد الناس إلى عبادة التوحيد..كما حكى القرآن الكريم عن بني إسرائيل عندما جاؤوا إلى نبيهم وطلبوا منه أن يرشدهم إلى من يتولى أمرهم في السلطة والحكومة عليهم..قوله تعالى " ألم ترى إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبيٍّ لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله .....وقال لهم نبيهم إنَّ الله قد بعث لكم طالوت ملكاً.." فيقول أحد العلماء هذا النص القرآني يدل من جهة على أنَّ مقام النبوة لا يستدعي أن يكون ذلك النبي هو الملك والحاكم على الناس وإلاَّ لما كان هناك وجه لطلب بني إسرائيل أن يكون لهم ملك غير ذلك النبي ومن جهة ثانية يدل على أنَّ هذا الحق من حقوق الناس ولا يعتبر من وظائف النبي إلاَّ بعد طلب الناس له وتفويضهم هذا الحق إلى النبي ليختار من يراه صالحاً لهذا المنصب