مسألة غابت في التاريخ الإسلامي وهي شرع الجماعة بشكلها الواسع التي تشمل جميع الطوائف من أجل بناء الدولة التي ترعى مصالحهم من خلال مشاركتهم في هذا الحق ، لأنَّ العلامة الفارقة بين الدِّين والسياسة هي أنَّ الدِّين يخاطب الناس أنفسهم بمعنى أنهم مسؤولون عن تسيير أمورهم وتنظيم شؤونهم ، وفي نظر بعض المفكرين الإسلاميين تنطلق فكرة شرع الجماعة لسيرة العقلاء في تدبير أمورهم السياسية والإجتماعية بأنفسهم وفسح المجال للعقل البشري في تولِّي هذا الجانب ولزوم إستخدام هذا المنهج العقلاني في كيفية الحكم وسنِّ القوانين وعدم الإلتزام بالنصوص الواردة في الموروث الديني التي تحصر قيادة الحكم بفرد بعيداً عن رأي الجماعة ، لأنَّ الإسلام هو الشرع الجماعي نفسه وليس ما يقوله الفقهاء عن هذا الشرع أنه ليس معلومات في الكتب عن دين عادل بل نظام إداري موجَّه لتحقيق العدل في أرض الواقع بإخضاع الإدارة - وإتخاذ أي قرار مصيري قد يعرِّض الجميع إلى أمور خطيرة ومدمرة – إلى رأي الناس من كل الأجناس بل إلى رأي الناس من نفس الطائفة...فمن دون هذه السلطة يختفي جوهر الإسلام فجأة عن واقع الناس وهنا تصبح الحاجة أمراً ملحَّاً لتعويض الناس بإسلام آخر لا يمس واقعهم وحاجاتهم، وهي مهمة إستدعت أن يصبح القيِّم تحت أي مسمَّى ليس الأغلبية مصدر الشرعية وأن يظهر على المسرح رجال يتولون القيادة وقرارات مصيرية لا علاقة لجميع شرائح المجتمع ولا للدولة والقانون بل يتولون الفتوى في شؤون الإدارة نيابة عن الناس ، ولهذا نرى في التاريخ الكثير من الجماعات والحركات الإسلامية تتمسَّك بعنوان الدِّين وهي المسؤولة عن إدارة الناس والمجتمع والواقع المفروض بتعليل أنَّ الأكثرية لا تملك الوعي المطلوب ولا تملك فهماً حقيقياً لمجريات الأحداث والمعطيات ولا تدرك المصالح والمفاسد في حياتهم. فخرجت الإدارة من أيدي الجماعة وانحصرت في أيدي أقلية وخسرت الأغلبية حق إتخاذ القرار حينها إنهار الشرع الجماعي وأصبحت الدولة تحت رجل واحد وهذا إنحراف صريح عن كل مبدأ أساسي في شرع الإسلام...كل هذا هو بموجب ملصق إلى الأبد بنظرية دينية مفادها أنَّ رجل الدين والفقيه وولاة الأمر هم الأعلم بأمور ومجريات الحياة ، علماً أنَّ التاريخ حدَّثنا عن تجربة حاكم يرعى مصالح الشرع الجماعي من خلال رؤية الناس لإدارة شؤونهم كما قال الإمام علي (ع) عندما جاؤوا وطلبوا منه أن يدير شؤونهم " أنتم أعلم بأمور دنياكم " وقال: " لا صواب مع ترك المشورة " وقال: " من إستقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ " لقد نجح الفقه التاريخي في تحويل الإسلام من عقيدة لها إدارة جماعية إلى عقيدة مسخَّرة لخدمة إدارات وهيمنات أخرى ، إنه منهج مستخدم في التاريخ لإخفاء هذه الأخطاء التي قد تؤدِّي بنا إلى خسارة مجتمعاتنا ومحيطنا العربي والإسلامي.