سكن جحا داراً قديمة ، كان سقفها يُحدث قرقعةً ، وعندما اشتكى إلى صاحبها قال له : " لا تخف ! إنَّ السقف يُسبِّح الله " إذ ذاك قال جحا: " هذا الذي أخشاه أن تدركه رقَّة فيسجد علينا "....إنَّ هذا الكلام والإحتمال يضعه رجل مسكين وفقير يسكن داراً قديمة متصدِّعة البنيان والجدران وسقفه قد يسقط في أي لحظة وينهار عليه وعلى ساكنيه...أو مواطنٌ يسكن وطناً منهاراً قد يعرِّضه في أي لحظة للموت والقتل والهجرة أو يعرِّضه للسفر والرحيل والتهجير، أو يعرِّضه للمذلَّة والإهانة والتخوين...وطنٌ لا توجد فيه إلاَّ لغات السُباب والشتائم وكيلٌ من الإتهامات والتحريض والتعريض الذي تعرِّضه بين اللحظة والأخرى إلى الهجرة والغربة في وطنه بل وفي مجتمعه وبيئته ، لأنَّه أصبحت فيه السَّاسة والسياسة عدواً مميتاً ومتنكراً وراء لغة الدِّين ومتستِّراً وراء مصلحة الطائفة والمذهب...وطنٌ لا يوجد فيه أدنى حق من حقوق المواطن والمواطنة سوى أننا أصبحنا رعية منساقة للحاكم والزعيم ونسعى إلى البحث عن صديق أو قريب في إحدى الدوائر الحكومية أو وزارة رسمية أو مشفى حكومي ليحلَّ لنا مشاكلنا ، وطنٌ لا يوجد فيه إلاَّ الروابط القبلية التي ما زالت تحكم بنا ولا يوجد فيه الروابط المدنية القائمة على سيادة القانون والدستور ، وعدم المساواة أمام القانون من حيث الخلاف والإختلاف في الوجهة السياسية التي تقيِّم المواطن من موقع الهوية لا من موقع المواطنة... وهذا ما نراه في لبنان وينطبق على جبهتي قِوَى آذار حيث تعمد الجبهة الأولى على بقاء الدولة بلا سقف سياسي وباباً مفتوحاً على الطيور الكواسر الجارحة..وفيما تعمد الجبهة الثانية على بناء سطحٍ سياسي فوق سقف الطوائف لا الدولة.. لتبقى الدولة مجرَّد هيكل بلا إرادة ولا دور لتبقى على هامش التهميش ، وما بينهما متعصِّبون وغوغائيون وناعقون ينعقون من أبواق زعماء طوائفهم ويُساقون إلى زرائب الأحزاب ساعة يشاء هذا الرئيس أو ذاك ، وتفتح لهم الأبواب حين تُقرع طبول الحروب والقتال لحماية مصالح تطال هذا الزعيم أو ذاك....رحم الله لبنان الكبير بنزعته ونِزاعاته لأنَّ فيه من الإستقرار ما خسرناه في الدولة بِبُعدَيها الكياني والعربي...لقد تاجروا مع الإستعمار بشراء الوطن والدولة ونحن نتاجر ضد الإستعمار لبيع الوطن والدولة...ولقد ساهموا في وضعنا على خطٍّ فيلقيٍّ ومُحاطٍ ببراكين من نار وساهمنا في تحريض الفيالق وإشعال البراكين لحرق لبناننا الأخضر...إذن لبنان بين ماضٍ كفرنا به ذات يوم وها نحن اليوم نصلِّي كي يعود لنا بأرزه الأخضر من جديد ، وبين حاضرٍ قتل ماضيه وحرق مستقبله..