نظرت في عيونهم فأذا بعيوني تفهم ما يقولون أحدهم قال إنك يا هذا تجرجرنا الى ثورتك، ومنهم من ابتسم وخانته عيناه حين أفصحَت أنه يؤيد الثورة ولكن ليس الآن وقتها ،ومنهم من أدار ظهره وقال لست محتاج لفلسفتك، وفجأة يعلو الصراخ فإذا بأحد الخارجين على القانون يغلق مخرج المحطة بسيارته وهو يشد مسدسه على خصره مهدداً متوعدا لتبدأ عملية الإنتظار من جديد ومعها عمليات المتطوعين من المنتظرين للتفاوض مع ذالك الإمعة المطلوب للعدالة وأمام أعين القوى الأمنية التي بدورها تلتزم الصمت والترقب ،ثم نعود أدراجنا خائبين من وطن أعطيناه دماءنا حين عز المُضَحّون لنكتشف أن لا مكان للإنسان في هذه المزرعة التي تسمى لبنان.
 

هي محاولة لدرس قضية مستجدة يواجهها اللبنانيون مؤخراً (التزود بمادة البنزين)حيث تقف في طوابير الإنتظار الطويلة لتصادف شتى أنواع البشر فمنهم المثقف ومنهم العامل والموظف ومنهم المزارع ومنهم الحزبي والعسكري والمنتسب للأجهزة الأمنية ومنهم من إمتهن الإنتظار ليملأ خزان وقوده ثم يفرغه بعد خروجه من المحطة ليبيع ما جناه خلال نهار طويل من الإنتظار بأضعاف مضاعفة.

 


الكل في حالة من الغليان الصامت الكل يلعن سيده وآلهته الكل يتمنى أن يعود به الزمن ليحسن الإختيار هذا ما صرحوا به أمامي على الأقل .

 


أكثر السيارات باتت ليلتها أمام المحطة والساعة الآن شارفت على الخامسة بعد الظهر موعد وصول البنزين تسأل أحدهم كم لبثت حتى وصلت الى المدخل فيبادر بالقول هل صحيح أن الأزمة ستستمر تسعة عشر من الأعوام بحسب أحد التقديرات الدولية فأجيبه بأنه من  الممكن أن تكون هذه الدراسات صحيحة ،فيسألك وهل بدأنا بِعَدِّ التسعة عشر عاماً؟إنها معضلة أخلاقية ومعضلة فكرية إذ كيف خضع وخنع  هذا الشعب الذي يدّعي أنه يتنفس حرية وهو يعرف حقوقه جيداً؟ كيف لمن يعلم أنه تاريخه مسروق وجنى عمره تبخر ومستقبله تائه؟ كيف له أن يعقد حلقة تسلية وهو ينتظر دوره ليملأ خزان سيارته لكي يتنزه بها خلال فترة المساء؟ .

 


فكما يقول الروائي الفرنسي صاحب الأصول التشيكية ميلان كونديرا

 


"لو أن المرء ليس مسؤولا إلا عن الأمور التي يعيها، لكانت الحماقات مبرأة سلفا عن كل إثم، لكن الإنسان ملزم بالمعرفة. الإنسان مسؤول عن جهله والجهل خطيئة.

 


طرحت على مجموعة منهم بأن نعمد الى ترك سياراتنا في الطريق نقفلها ونعود الى بيوتنا أو نركنها في أي طريق يعيق وصول السياسيين أو خروجهم من منازلهم فنعزلهم ثم نعمل الى تطوير إنتفاضتنا شيئا فشيئا.