أليس الدِّين سلاحاً ذا حدَّين ؟ حدٌّ يصلح لمنازعة السلطة الظالمة ومناجزتها ، وآخر يصلح لتسويغ وجودها وتوسيع نفوذها ، وذلك حسب قدرة الحاكم على توظيف النصوص الدينية وإستهبال الطبقات الشعبية التي ليس لها – بسبب أمِّيتها – إمكانية الإطلاع مباشرة على النصوص فتقع ضحية سهلة أو صيداً ثميناً لذلك القادر على استحضار النص وتوظيفه في الوقت المناسب.. وبخاصة إذا غمرها أو قصفها بالموروث الخُرافي ليناغي براءتها وعواطفها ( وتديُّنها البدائي المشوب بقدر لا يُستهان به من الوثنية ) والناس على دين ملوكها...وهذا ما نراه اليوم ونسمع به بين الفينة والأخرى وخصوصاً في المقامات الدينية والمساجد ودور المعابد والكهنة والسحر والشعوذة..وكيف لا يكون ذلك وأغلب الناس في مجتمعاتنا يعبدون أوثاناً بشرية أحياناً وأصناماً مالية وأزلاماً من الآدمية إلاَّ القدرة والمال والسلطة والنفوذ وسطوة إتخاذ القرار أحياناً أخرى.... فإنَّ أقوى هذه الأدوات المستخدمة في عملية التعتيم على الوعي هو (سلاح القداسة ) على الأفكار والأفراد والأشخاص والعقائد وأحياناً على الخُرافات والأوهام والسخافات والأسطورة ، فيكفي أن يرد خبرٌ أو رواية ليدغدغ عواطف ووجدان وشعور تلك الشعوب المكبَّلة بسلاسل وأغلال لا يمكن فتحها إلاَّ من خلال تلك القنابل الموهومة والفضائل المزعومة والكرامات المسخوفة حتى يكون هذا الخبر مقدَّساً ومتعالياً عن النقد ولا يجوز المساس به حتى لو كان المضمون مخالفاً للعقل وبعيداً عن فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله..والأغرب من ذلك كله والأشنع منه هو إضفاء القداسة على الأشخاص والرموز التي تعبدها تلك الشعوب المتشبِّهة بالوثنية وبخاصة إذا كانوا من رجالات الدين أو من القادة الكارزماتيين حيث يمثِّل هذا المعنى نافذة على الغلو والصعود بالإنسان إلى مستوى الإلهية...وأخطرها من النظرة القدسية للأشخاص إذا احتلَّ ذلك الشخص مقام القيادة الدينية والدنيوية ، فحينئذٍ تدخل المصالح السياسية والسلطوية إلى عمق المبادئ ويضحى الإستبداد مقبولاً بل يكون مطلوباً لدى أغلبية تلك الطبقات من الناس ، ولهذا عاش المسلمون بهذه الأزمات تلو الأزمات وفي جميع المجالات من جرَّاء هذا الفهم الخاطئ للدِّين وللنصوص الدينية...هذا يعني أنَّ محور إهتمام الدِّين إنما يكون في كيفية الصعود بالإنسان في معراج الكمال الإنساني وربطه بالله تعالى ، فعندما يتحقق هذا المعنى في واقعنا نتحوَّل إلى مجتمع عقلاني وحضاري..والشاهد على ذلك التحوُّل الذي طرأ على المجتمعات بعد نهضة الإصلاح الديني ( البروتستانتية ) الذي قادها (لوثر) على حكومة رجال الكنيسة وأكد على إصلاح المؤسسة الدينية ورفض كل أشكال الوساطة بين الإنسان وخالقه وانتقد صكوك الغفران..والأهم في هذه الحركة الإصلاحية أنه منح للناس الجرأة على نقد المقدَّسات وهذا أشد ما يخشاه رجال الدين لأنَّ من شأنه أن يزيل هالة القداسة عنهم ويفتح الباب للناس لتحريك عقولها وعدم قبول ما يقوله رجل الدين عن تلك الأوهام والأسطورة ...فمن هنا كان الدين يتناغم مع العقل بل هو العقل ومطابق للفهم والإدراك والوعي ، بينما نرى أغلب رجال الدين في التيارات السلفية الإسلامية والسياسية الحزبية الدينية يسعون دائماً إلى التعتيم على العقل والفهم والوعي من خلال غسل دماغ رهيب مستخدمين هذه الأدوات الدينية الأسطورية التي لا تسمح للعقل أن يتحرَّك وللمجتمع أن ينهض ، ولا للفكر أن يطرح علامات إستفهام حول هذه الثقافة المزرية والمتفشية في المجتمع..