أتباع الإسلام السياسي يدَّعون بأنَّ الإسلام دين ودولة ويتحركون دائماً في إثبات هذه النظرية السياسية بإتجاه نظرية (الشورى) أو نظرية (ولاية الفقيه) وكلتا النظريتين تتحركان بعيداً عن الديمقراطية والإعتراف بحق الناس في تقرير مصيرهم وانتخاب ما يريدون من حكومة وتشريعات مدنية واجتماعية..فنظرية الشورى هي تُحرِّم طبقاً لما ورد في المصادر الحديثية عندهم حرمة الخروج على السلطان مطلقاً سواء كان عادلاً أم لا...حتى كرِّس هذا المفهوم من الطاعة المطلقة للسلطان أو الحاكم وتسويغ الخنوع والخضوع والإستبداد ، لأن أتباع وأصحاب هذه النظرية حصروا الشورى بأهل الحلِّ والعقد من أهل النخبة دون أن يكون لسائر المسلمين الحق في عملية الإقتراع والإنتخاب والإدلاء بأصواتهم والمشاركة في تشكيل ما يختارون من حكومة تتولَّى أمورهم الدنيوية..ولهذا زعم وذهب البعض من المسلمين إلى قياس الشورى على النظام الديمقراطي الحديث وزعموا بأن الإسلام جاء بنظام ديمقراطي في نظريته السياسية.. ولكن الفارق هنا واضح وجلي فالشورى هنا في هذا الزعم أقرب وأشبه ما تكون إلى النظام الأرستقراطي التي تتولَّى فيه النخبة أو أهل الحلِّ والعقد ، أمَّا النظام الديمقراطي يقرِّر حق التشريع لجميع الناس من خلال نواب المجلس التشريعي ولزوم العمل بالقانون المدني.. أمَّا على نظرية الشورى الإسلامية فالأصل في مشروعيتها هو العمل بالقانون الإلهي على الأرض وخصوصاً بعد غياب صاحب النص الإلهي ، وشتان ما بين الأمرين في تلك المقاربة المزعومة..وأمَّا على مستوى النظرية الثانية وهي ولاية الفقيه فأصحاب هذه النظرية يسبغون على هذه الولاية مسحة القداسة الإلهية طبقاً لما ورد ايضاً في المصادر الحديثية عندهم من أنَّ الفقيه يحكم بحكم الله والرَّاد عليه كالرَّاد على الله وطاعته هي طاعة الله تعالى..ولهذا نرى أنَّ مقولة الحق الإلهي في الحكم من النظريتين لا تعترفان بأيِّ حق سياسي في عملية الإختيار الإنساني للحاكم والسلطان أو في نظام الحكم فأبناء الأمة لا يمنحون السلطة للحاكم أو الفقيه ، بل إنَّ هذه السلطة مستمدَّة من سلطة الله تبارك وتعالى..وليس لأبناء الأمة حق الرفض بل يجب عليهم البيعة مع هذا الفقيه ونصرته والتأييد له وبذل الطاعة ولا تتحدَّد بيعتهم له بزمان معيَّن بل تبقى ولايته عليهم دائمية إلى نهاية العمر بل إلى نهاية الكون...أما على القول بنظرية الحق المدني في المجتمعات الديمقراطية الحديثة فيكون الحاكم أو رئيس الجمهورية مسؤولاً أمام الناس في تصرفاته لأنه هو وكيلهم في التصرف ولذلك يحق لهم محاسبته وجرِّه إلى القضاء بل وعزله ومحاكمته أمام الناس ويمتثل أمام القضاء والمحاكمة كما نرى في الحكومات الديمقراطية...ولكن من يتجرَّأ (والعياذ بالله) على نقد القائد الفقيه أو وكيله أونائبه على أخطائه لأنَّ جميع الأمور تنتهي إليه وكل تصرف وسلوك يمكن إدخاله تحت عنوان شرعي ويجد له مبرِّراته الفقهية (كما ورد في الحديث الشريف يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير) هذا هو الزحف الإسلامي السياسي لإحتلال العقول ومفاصل الحياة.