بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتجبين والتابعين لهم بإحسان إلى قيام يوم الدين .
مع حلول السنة الثالثة للهجرة النبويّة، وفي أجواء شهر رمضان المبارك، وفي ظرفٍ دقيق من ظروف حياة الطلائع الأولى من معسكر الإيمان وهي تُسجِّل ملحمةً من الانتصارات الرائعة على قوى المعسكر الوثنيّ، يستقبل رسول الله (ص)ثمرة من ثمار دوحة الرسالة وغرساً مباركاً من ذريّته المجعولة في صلب علي (ع) .
ويبتسم فجر الإسلام في اليوم الخامس عشر من شهر رمضان للمولود البكر في بيت الرسالة . فامتلأت نفس النبي (ص) حبوراً بولادة الحسن (ع) وغمرته الفرحة وظهر عليه الإرتياح، وأسرع إلى دار فاطمة الزهراء (ع) ونادى: «يا أسماء أين ولدي؟ فأسرعت أسماء بنت عميس إلى الوليد المبارك وجاءت به تحمله وقد لُفَّ في خرقةٍ صفراء» .
فتناوله منها وقال ـ بعد أن رمى الخرقة الصفراء ـ: «ألم أعهد إليكنّ أن لا تلفّوا مولوداً في خرقةٍ صفراء» .
ثمّ أمر بلفّه في خرقة بيضاء ثم سرّه وألباه بريقه الشريف وتضرع إلى الله بقوله: «اللهمّ إنّي أعيذه بك وولده من الشيطان الرجيم» .
ثمّ أذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، فكان أولُ صوتٍ طرق سمعَه وانساب في أعماقه، صوتَ جدّه العظيم وهو يُنشد التوحيد، ليكونَ أنشودةَ الحياة جيلاً بعد جيل .
ثمّ التفتَ رسول الله (ص) إلى أمير المؤمنين (ع) وقال: «هل سمّيتَ وليدكَ الميمون يا علي؟ فأجابه الإمام (ع)ما كنتُ لأسبقكَ يا رسول الله، فقال رسول الله (ص) وما كنتُ لأسبق ربّي عزّ وجلّ» .
فأوحى الله إلى جبرائيل (ع) سفير بيت الرسالة وأمين الوحي: إنّه قد ولد لمحمد إبن، فاهبط، فاقرأه السلام، وهنّئه وقل له: إنّ علياً منك بمنزلة هارون من موسى فسمّه باسم ابن هارون .
فهبط جبرائيل (ع) فهنّأه من الله عزّ وجلّ ثم قال: إنّ الله تبارك وتعالى يأمرك أن تسميّه باسم ابن هارون .
فقال النبي (ص): «وما كان اسمه؟»
قال جبرائيل (ع): شبّر .
فقال النبي(ص): «لساني عربي» .
قال جبرائيل(ع): سمّه الحسن .
فسمّاه الحسن، كما جاء في بعض المرويّات .
وجاء عن الإمام أبي عبد الله الصادق(ع): أنّ رسول الله(ص) عقّ عنه بكبش، وقال: «اللهم عظمها بعظمه ودمها بدمه ولحمها بلحمه وشعرها بشعره، اللهم اجعلها وقاء لمحمد وآل محمد» .
وفي رواية ثانية: أنّه عقّ عنه بكبشَيْن، وأمر فاطمةJ أن تحلق رأسه وتتصدّق بوزنه فضّة على الفقراء، وأمر بخِتانه في اليوم السابع لولادته وقال(ص): «طهّروا أولادكم يوم السابع فإنّه أطيب وأطهر وأسرع لنبات اللحم»، ومهما كان الحال، فلقد استأثر الحسن(ع) بحب النبي(ص) وعنايته مالا يقصّر عن عناية أيّ أبٍ بأولاده الصلبيين .
ولنا أن نستقل بالروايات التالية بحيث تغنينا عن الإطالة في هذا المجال: 
«دُعي النبي(ص) إلى صلاة والحسن متعلّق به، فوضعه النبي(ص) مقابل جنبه وصلّى، فلمّا سجد أطال السجود، فرفعت رأسي من بين القوم ـ كما يقول الراوي ـ فإذا الحسن على كتف رسول الله(ص) فلمّا سلّم، قال له القوم: يا رسول الله، لقد سجدتَ في صلاتك هذه سجدةً ما كنت تسجدُها، كأنّما يوحى إليك . فقال(ص): لم يُوحَ إليَّ، ولكن ابني كان على كتفي، فكرهت أن أعجّله حتى نزل» .
وروى محمد بن مسلم البخاري في صحيحه عن أبي بكرة أنّه قال: «رأيت النبي(ص) على المنبر والحسن بن علي معه وهو يقبلُ على النّاس مرّة وينظر إليه مرّة ويقول: إنّ ابني هذا سيّد» .
وجاء في رواية البخاري والترمذي ومسلم في صِحَاحهم وابن كثير في البداية والنهاية عن البرّاء بن عازب أنّه قال: «رأيت النبي(ص) والحسن على عاتقه وهو يقول: اللهم إنّي أحبّه فأحبَّه» .
وروت زينب بنت أبي رافع: أنّ فاطمة الزهراءJ أتت بالحسن والحسين إلى أبيها في شكواه التي توفي فيها، فقالت له: «هذان ابناي فورّثهما شيئاً، فقال: أما الحسن فله هيبتي وسؤددي، وأما الحسين فله جرأتي وجودي» .
وقال(ص) فيه وفي أخيه عشرات المرّات: «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا» .
«هذان ريحانتاي من الدنيا، من احبني فليحبهما، ومن أبغضهما أبغضني ومن أبغضني أبغضه الله وأدخله النّار، وإنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة» .
«اللهم إنّي أحبّهما فأحبّهما وأحبّ من أحبّهما» .
«كل بني بنت ينتمون وينتسبون لآبائهم إلا ولد فاطمة فإنّي أنا أبوهم وإليَّ ينتسبون» .
إلى غير ذلك ـ وهو كثير ـ ممّا صحّ من أقواله (ص)فيه وفي أخيه الحسين(ع) . 
وهكذا شبّ الإمام الحسن(ع) ونشأ في أحضان جدّه رسول الله(ص)، فغذّاه برسالته وتعاليم الإسلام وأخلاقه ويسره وسماحته وظل معه وفي رعايته إلى أن اختاره الله إليه حتى أصبح مفطوراً على أخلاقه وآدابه وتعاليمه هذا مضافاً إلى ما تلقّاه من أبيه العظيم من العلوم والتجارب ما أهّله لقيادة المسلمين والقيام بعبء الإمامة ومسؤوليات الخلافة الجسام بعد استشهاد الإمام علي (غ)
وهنا يجب الإلفات إلى واقع المجتمع الإسلامي الذي تولّى الإمام الحسن(ع) قيادته، وطبيعة الظروف التي عاصرها وما أنتجته من محنٍ سياسيّة كبرى لم يشهد المسلمون مثيلاً لها من قبل . بحيث تندفع شبهات كثيرة أثيرت ولا تزال حول شخصيّة هذا الإمام المعصوم وأسس حركته الإصلاحيّة على المستوى السياسي والعسكري وغيرهما .
والذي نجده ـ ضمن هذه المعالجة التاريخيّة ـ أنّ الإمام الحسن(ع) تصدّى لشؤون الخلافة وتولّي الحكم بعد أبيه في أجواء قلقة ومناخ غير مستقر، بل في أحلك ظروف التعقيد والصراع التي برزت في المجتمع الإسلامي وبشكل متأزّم في أواخر حياة أمير المؤمنين علي(ع) .
ويمكن لنا أن نرصد تلك الظروف المعقّدة ضمن الملاحظات التالية:
- الملاحظة الأولى: 
أنّ الإمام الحسن(ع) بدأ حكمه مع جماهير لا تختزن ركائز الوعي لطبيعة حركته ومسؤوليات خلافته الراشدة، وبالتالي فهي لا تمتلك رصيداً إيمانياً كافياً يؤهّلها لتبنّي المعركة وفهم رساليّتها وأهدافها، بل لم تكن تلك الجماهير على المستوى المنشود من التجاوب الديني والإسلامي مع متطلبات هذه المعركة الحاسمة ضدّ قوى الانحراف والنفاق داخل المجتمع الإسلامي، وكانت تلك الجماهير موزعة في تلك الفترة على كيانات وأحزاب أربعة وهي:
الحزب الأموي: ويضم عناصر قويّة تتمتّع بنفوذ وكثرة في الأتباع، وقد عمل هؤلاء على نصرة معاوية في أوساط شيعة الحسن(ع) وأتباعه، بل كانوا بمثابة جواسيس على تحرّك الإمام الحسن(ع) لصالح معاوية المستبدّ في بلاد الشام .
الخوارج: الذين استفحل نشاطهم في تلك الأيّام، سيّما بعد استشهاد علي بن أبي طالب(ع)، وقد كانوا أكثر أهل الكوفة لجاجة على الحرب حتى أنّهم اشترطوا على الإمام الحسن(ع) عند بيعتهم له حرب الحاليّن الضاليّن، فرفض الإمام(ع) فأتوا إلى الإمام الحسين(ع) مبايعين، فقال لهم: «معاذ الله أن أبايعكم ما دام الحسن حيّاً» . عندئذٍ لم يجدوا بداً من مبايعة الحسن)ع).
وكان من أمرهم أيضاً أنّهم تعاونوا مع الحزب الأموي على حياكة المؤامرات الخطيرة والخطط المناقضة لخطّة الإمام الحسن(ع) .
الشكّاكون: وهم المتأثّرون بدعوة الخوارج، من دون أن يكونوا منهم، فهم الفرقة المذبذبة، ويغلب على طبعهم الانهزام .
الحمراء: وهم شرطة زياد، وطابعهم العام أنّهم جنود المنتصر وسيوف المتغلّب من دون أن يكون لحركتهم محور محدّد وقد بلغ من استفحال أمرهم آنذاك أن نسبوا الكوفة إليهم فقالوا كوفة الحمراء .
وبمواجهة هؤلاء جميعاً كان أتباع الحسن(ع) الذين هرعوا إلى مبايعته بعد استشهاد أبيه علي (ع)، وكانوا هم الأكثر عدداً في الكوفة، ولكن المشكلة رغم ذلك أن دسائس الآخرين وفتنهم كانت تعمل دائماً لإحباط أي تحرّك صادر عنهم .
- الملاحظة الثانية: 
إنّ رصيد شخصيّة الإمام الحسن(ع) في أذهان أغلب النّاس في عصره لم يكن قائماً على أساس الإيمان بفكرة النّص على إمامته، ولذلك لم يعاملوه كإمام معصوم مفترض الطاعة ومنصوص عليه، وإنّما عاملوه على أساس أنّ إمامته إمامة عامة ومن باب الامتداد لخط السقيفة ومنطقها الخاص بالنسبة لخلافة المسلمين، وفي مقابل ذلك كانت شخصيّة معاوية آنذاك تتمتّع بتأييد قطاع من المسلمين لأنّه ـ بنظرهم ـ من الصحابة، وموضع ثقة عمر وعثمان، والمطالب بدم عثمان ... 
- الملاحظة الثالثة: 
قد اجمع المؤرخون على ان خلافة الإمام الحسن كانت في صبيحة اليوم الذي دفن فيه أمير المؤمنين، ولما بلغ نبأ البيعة إلى معاوية وأتباعه بدأوا يعملون بكل ما لديهم من قوة ومكر وخداع لإفساد أمره والتشويش عليه وتسلّم الإمام الحسن الحكم بعد استشهاد أبيه مباشرة مما أثار موجة التشكيك في رسالية المعركة التي يخوضها، وتعميم الإيحاء بان المعركة هي معركة بيت مع بيت، أمويين مع هاشميين كل هذه الأزمات والملابسات، عقدت موقف الإمام الحسن من مسألة الحكم، وقيدت إلى حد ما فعالية معالجاته الإصلاحية . ولكن ذلك كله لم يمنعه من الاستمرار في معالجته الواعية لأزمة المجتمع الإسلامي، وفي مقارعة أعداء الدين .
فعمد أول ما عمد إلى إرسال الكتب إلى معاوية في محاولة لردعه عن طغيانه والاستمرار في جرائمه واضطهاده للعلويين وحملة التهم والدعايات الباطلة التي يشنها ضد أمير المؤمنين علي ممولاً ذلك من بيت مال المسلمين، ولكن هذا الأسلوب السلمي لم يُجدِ مع معاوية بن أبي سفيان، في صرفه عن غيه وظلمه، بل استمر في تماديه وفق أهدافه المشؤومة، وفي محاولاته التخريبية وغاراته العسكرية على بعض المدن والقرى الوادعة، تحت غطاء كثيف من التمويه والدجل والنفاق . وما مضت إلا أيام حتى اجتمع عند معاوية في دمشق سبعون ألف مقاتل طائعين منقادين لأوامره، فزحف بهم نحو العراق، عند ذلك، أعلن الإمام الحسن الحرب على معاوية فأمر بالصلاة جامعة، فاجتمع الناس في المسجد، وخرج الإمام فرقى المنبر وخطب خطبة أخبرهم فيها بتوجه معاوية نحوهم وحثّهم على الجهاد، ومما قاله فيها: أما بعد فإن الله كتب الجهاد على خلقه وسمّاه كرها، ثم قال لأهل الجهاد: اصبروا إن الله مع الصابرين، فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون . 
إنه بلغني أن معاوية بلغه أنّا كنا أزمعنا على السير إليه فتحرك، لذلك أخرجوا ـ رحمكم الله ـ إلى معسكركم في النخيلة حتى ننظر وتنظرون ونرى وترون»
وخرج الإمام الحسن(ع) بنفسه إلى المعسكر وتهيأت الجيوش ووزعت القيادات، فأجتمع عنده خلال أيام أربعون ألف مقاتل على اكثر تقدير، ثم سار بهم من الكوفة نحو معاوية .
وقبل بدء القتال بليلة واحدة، استطاع معاوية بماله من المكر والخداع من إغراء عدد من قادة جيش الإمام الحسن(ع) ومنهم عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب الذي كان على رأس أربعة آلاف من الجيش، ومثله الكندي والمرادي، حيث تركوا قيادة الجيش وانضموا إلى معاوية . 
هذه الخيانة أحدثت ثلمة كبيرة في جيش الإمام حيث أوهنت الجيش وأضعفت الروح المعنوية عند باقي المقاتلين, وبالرغم من إصرار الإمام الحسن(ع) على الحرب، فإن البقية الباقية سلّت السيوف عليه مطالبة إياه بمصالحة معاوية .
إذن ... بقي على الإمام أن يخوض معركة يائسة ويستشهد فيها، ويقتل فيها من يقتل من دون أي نتيجة على الإطلاق ومن دون أن تؤدي الغاية المنشودة على مستوى أهداف الإمام من التغيير والإصلاح الرساليين وفي هذا المجال كان يقول الإمام الحسن: «إني خشيت أن يجتث المسلمون عن وجه الأرض فأردت أن يكون للدين ناع» .
«وإن معاوية نازعني حقا هو لي دونه، فنظرت لصلاح الأمة وقطع الفتنة، فرأيت أن أسالم معاوية وأضع الحرب بيني وبينه وقد رأيت أن حقن الدماء خير من سفكها ولم أر إلا صلاحكم وبقاءكم، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين» .
ومن هنا جاء قرار الإمام الحسن(ع) بأن يهادن مؤقتاً ويقبل بالصلح لكي ينكشف واقع معاوية وأطروحته المزيفة، أمام المسلمين البسطاء الذين كانوا قد انخدعوا بمظاهره الماكرة . وقد استجاب الإمام لدعوة الصلح في وقت أصبحت الإستجابة فيه نصرا كبيرا على معاوية وفضحا حقيقيا لسياسته المخادعة أمام جماهير المسلمين، فإن معاوية في ذلك الوقت كان يدرك حسب المؤشرات السياسية والعسكرية والاجتماعية أن نتائج الحرب ستكون لصالحه وهو يرى في الوقت ذاته تصلّب الإمام الحسن(ع) وإصراره على القتال فأراد أن يبرز من خلال طرح الصلح الذي لم يكن يريده واقعا، كرجل محب للصلح وشخصية ساعية إلى حقن دماء المسلمين، ولكن استجابة الإمام الحسن لعقد الصلح جعلته يشعر بخيبة كبرى في تحقيق سياسته وتخطيطه الماكر، فوجد نفسه أمام بنود لا مجال إلا للقبول بها وهو الذي لم يحسب يوما أنه يمكن أن يمضيها أو يقر بها .
وقد وضعت بنود المعاهدة على الصورة التالية ووقّع عليها الطرفان:
المادة الأولى: تسليم الأمر إلى معاوية على أن يعمل بكتاب الله وبسنة رسوله وبسيرة الخلفاء الصالحين .
المادة الثانية: أن يكون الأمر للحسن من بعده فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين، وليس لمعاوية أن يعهد به إلى أحد .
المادة الثالثة: أن يترك سبّ أمير المؤمنين والقنوت عليه بالصلاة وأن لا يذكر عليا إلا بخير .
المادة الرابعة: استثناء ما في بيت مال الكوفة، وهو خمسة آلاف ألف فلا يشمله تسليم الأمر، وعلى معاوية أن يحمل إلى الحسن كل عام ألفي ألف درهم وان يفضّل بني هاشم في العطاء والصلات على بني عبد شمس، وأن يفرق في أولاد من قتل مع أمير المؤمنين يوم الجمل وأولاد من قتل معه بصفين ألف ألف درهم وان يجعل ذلك من خراج دار بجرد ـ وهي ولاية بفارس على حدود الأهواز . 
المادة الخامسة: على أن الناس آمنون حيث كانوا من ارض الله في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم, وأن يؤمن الأسود والأحمر وأن يحتمل معاوية ما يكون من هفواتهم وان لا يتبع أحدا بما مضى وأن لا يأخذ أهل العراق بإحنه . 
وعلى أمان أصحاب علي حيث كانوا وان لا ينال أحدا من شيعة علي بمكروه وأن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم وأن لا يتعقب عليهم شيئا، ولا يتعرض لأحد منهم بسوء ويوصل إلى كل ذي حق حقه، وعلى ما أصاب أصحاب علي حيث كانوا، وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي، ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت رسول الله غائلة سراً ولا جهراً. ولا يخيف أحداً منهم، في أفق من الآفاق.
وتمّ الصلح بين الإمام الحسن وبين معاوية وتبادل الطرفان الوثائق والمستندات التي تحوي شروط الصلح والموقعة من قبل الإمام ومعاوية وكبار الرؤساء من الطرفين .
وقد نجحت سياسة الإمام الحسن(ع) وخطوته المنطقية، وبدأ معاوية يساهم إلى درجة كبيرة بكشف واقعه وتيقظ الرأي العام الإسلامي إلى عظيم أخطار البدع والانحرافات التي أحدثها منذ أن تسلل إلى مراكز السلطة والحكم مع أعوانه من بني أمية حيث انكشف الحجاب عن مدى فساد السياسة الأموية الرعناء، وعمق العداء الذي يحمله الأمويون ضد الإسلام والمسلمين .
فقد أعلن معاوية منذ اليوم الأول عن مضمون أطروحته عندما نقض شروط الصلح ودخل الكوفة بجيشه وخطب في الناس قائلا: «والله إني ما قاتلتكم لتصلوا ولتصوموا ولتحجوا ولا لتزكوا، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وانتم له كارهون، ألا وإني كنت منيت الحسن وأعطيته أشياء وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها» . 
ثم توّج معاوية حكمه بعد نقض الصلح بسلسلة ممنهجة من الجرائم أبرزها:
1ـ تصفية العناصر المعارضة، سيما أصحاب أمير المؤمنين علي(ع) .
2ـ تبذير أموال الأمة، وشراء الضمائر والألسن وتسخيرها لصالح الحكم الأموي .
3ـ قتل الإمام الحسن بالسم عن طريق زوجته جعيدة بنت الأشعث بن قيس، زعيم المنافقين في الكوفة .
4ـ تتويجه ولده يزيد خليفة على المسلمين بقوة السيف .
وهكذا انتهت حياة الإمام الحسن(ع) في أجواء تلك الأحداث المريرة، بعد عشر سنوات من استشهاد أبيه أمير المؤمنين، فمات شهيداً مسموماً في المدينة يوم السابع من شهر صفر،وقيل في الثامن والعشرين من صفر عام خمسين للهجرة، عن سبعة وأربعين عاماً كانت كلها لله تعالى وفي عينه ورضاه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..