من أرشيف المسائل الثقافية والفكرية  لسماحة العلامة  الشيخ عباس أحمد شحادي

السؤال :مولانا سماحة الشيخ .. لماذا يتسرب الينا نحن العرب والمسلمين كل ما هو سيء من الغرب ولماذا لا نقدر ان نخترق جدارهم بثقافتنا الحقة الاصيلة ونحن عندنا كتاب الله وعلم رسول الله واهل بيته ؟لماذا نحن دائما" في موقع الدفاع عن انفسنا ولم نكن ولو لمرة واحدة بموقع الهجوم المعاكس لكي نقي امتنا من شرورهم ونلهيهم عنا ولو قليلا ؟! تلك اسئلة تراودني احيانا" كثيرة" ..ثم اين موقعنا وتكليفنا وواجبنا اليوم نحن المغتربين في هذه البلدان الغربية التي نعيش فيها ؟

صلاح ـ كوتونو

 

الإجابة : ما أشرتم إليه في السؤال هو السؤال المأزق ..ويخيل إليّ أن واحدة من تلك الأسباب التي جعلتنا في موقع المتلقي بدل أن نكون في موقع المبادر هي أن مراكز التخطيط في الغرب قد نجحت في إشغالنا ببعضنا حيث تحولنا إلى حطام ممزق بالعصبيات المذهبية والسياسية الفئوية وأصبحنا لا نتقن إلا فن الحماسة العابرة والتلهي بقشور الأمور ،مع إمتلاء مخيف في البيئة الإسلامية من الغرور الديني والعلمي والإقتصادي .

وأعتقد أن مجتمعاتنا الإسلامية والعربية، تعاني من هذا الداء الوبيل في مختلف الجوانب، فلأنها تمتلك ثروات هائلة من الذهب الأسود تقاعست عن الصناعة والزراعة والعلم، بل وأصبحت تترفّع عن العمل وتستزري الزراعة وتتكاسل عن الدراسة . فقد استهواها الجلوس على المقاعد الوثيرة واستنشاق هواء المكيّفات، ولم تبحث عن سبل استثمار هذه الثروة قبل أن تنضب وكيفية تحويلها إلى قدرات ..وإن طريقة تصرفنا في الأموال وغيرها حيث التلاعب والإسراف والتبذير تؤكد غرورنا بما لدينا كما تؤكد غفلتنا عن مستقبلنا الاقتصادي وعدم الاهتمام به .

وأما على المستوى العلمي فقد ضاع عندنا الطموح، فقد أصبح طلابنا يكتفون بالشهادة التي تحقق لهم لقمة العيش وتفتح أمامهم مجالات الوظيفة والمنصب فحسب، ثم يتغنون بثرائهم العلمي ونتاجهم الفكري وتاريخهم المشرق في هذا المجال .

ومع هذه المشاكل البنيوية لا أعتقد أن إمتلاكنا لكم هائل من التراث والقيم سيجدي نفعاً في التقدم والتطور فإن تلك القيم ستبقى حبيسة الكتب أو حبيسة المنابر أو حبيسة الممارسة الفردية الذاتية دون أن يكون لها أي صدى وستكون يتيمة أيضاً إذا لم يتوافر لها عقول تحملها وقلوب تفهمها وإرادة تحملها وعزم أكيد على نشرها وإمكانات على نقلها إلى كل العالم بثقة وإقدام وروح رسالية .

ورغم إعترافنا بأزماتنا المتنوعة في هذا الجانب، ولكن ذلك لا يرفع من أسهم العقل الغربي وليس من الإنصاف أن تتم المقارنة بين ما هو الأسوأ لدى العقل الإسلامي والعربي بما هو الأجمل لدى العقل الأوروبي أو الأمريكي وذلك لأن العقل الغربي عموماً هو عقلٌ ذاتي وأناني من الوجهة الأخلاقية، فالفضيلة الغربية لا وجود لها بالنسبة إلى العالم الخارجي ، لأنها قيمٌ وفضائل من الخدمات والحريات والديموقراطيات التي لا تشع على عالم الآخرين، وينبغي على الأخوة المغتربين لاسيما أولئك الذين يعيشون في البلاد الغربية ويلمسون الفرق بين تلك الحياة هناك والحياة في بلدانهم الإسلامية عليهم أن يعلموا بأن الغربي لا يحمل فضائله خارج عالمه هو، فخارج حدوده الأوروبية لا يكون إنساناً بل يكون أوروبياً. وهو لا يرى بعد ذلك أناساً بل مستعمَرين وبشراً من طبقة متدنيّة تستخدم حين الحاجة وقوداً لحروبه الشرسة أو الناعمة ومشاريعه الكبرى .

وإنّ مجتمعاتنا مضطّرة اليوم إلى الإدلاء باعترافاتٍ مؤلمة كلُ واحدةٍ منها أوهن وأمرّ من الآخر ولعلّ أهمّها توطن النموذج الـغربي في نفوس المسلمين وتسربه إلى أسواقهم وبيوتهم ومدارسهم وهيمنته على أسلوب حياتهم ونمط سياستهم وطريقة حكمهم على القضايا والأحداث من حولهم ،فلقد تغلغل الاستعمارُ الثقافيُ في قلب العالم الإسلامي والبيئة العربية وكانت نتائجه أخطر على منهاج حياتنا من الاستعمار العسكري وذلك بما شوّهه من أصالة شخصيتنا وما أوهنه من قوة كياننا وقيمنا الجميلة .

وأسوأ ما فعلته حضارة الفتن الأمريكية بعد دمار الأرض وخـراب المدن والأحياء وإسقاط الشعوب تحت لافتات إسقاط الأنظمة هـو مـا فعلته في نفوسنا وأرواحنا وطباعنا حيث تبدّت التشـوهات النفسـية كأبشع ما يكون تشوه الإنسـان بين كافر فاجر ومنافق مكابر ومتكبر مـجاهر وخصم غـادر وأحمق تـائه وأمّعة متذبذب لا إلى هؤلاء ولا إلى أؤلئك حيث يميل مع كـل ريح وينعق مع كل ناعق وينتظر الميلة الكبرى ليحدد موقعه وموقفه .. وذلك وجه آخر من وجـوه الـعداء للإسـلام والمسـلمين إذ ليـس من المقبول أن يـكون المـرء مع الإسـلام والمسـلمين ثم يـدعم أعداء الإسـلام ويتستر على أعـداء المسـلمين .

ولا نغفل في هذا السياق أن مشروع الإستعمار منذ البداية كان يقوم على جانب إشغالنا أو تجهيلنا فالإستعمار والإستحمار غالباً ما يتوافقان وهما ليسا نقيضين بل أحدهما مقدمة إلى الاخر ،وحتى تتضح الصورة الفلسفية في المنطق الغربي لهذا التطابق بينهما فإنه يكفي أن تلتفت إلى واحدة من عشرات الألعاب البهلوانية التي يتقنها الغرب في إدارة الأفكار والشعوب وإحكام السيطرة على مقدرات الأمم ، حيث يتبع الإستعمار في ذلك أسلوب مصارعة الثيران في الألعاب الإسبانية ،فهم يلوّحون بقطعة قماش أحمر أمام ثور هائج في حلبة الصراع فيزداد هيجانه بذلك، وبدلاً من أن يهجم الثور الغضبان على المصارع فإنك تراه يستمر في الهجوم على المنديل الأحمر الذي يلوح به الرجل حتى تنهك قوى الثور فيضعف وحينئذ ينقض الرجل عليه ليطعنه.

وهكذا هو الاستعمار تماما فإنه من أجل الوصول إلى تطبيق أجندته ومشاريعه الخاصة فإنه يلّوح في ظروف محددة وظروف دولية مؤاتية، بموضوع أو قضية يستفزّ بها الشعب الذي يريد إستعماره ونهب خيرته حتى يثير غضبه، ويغرقه في حالة شبيهة بالحالة التنويمية أو يغرقه بمفاهيم جاهزة تتلائم مع متبنياته النفسية أو الإجتماعية أو الدينية ،فينطلق الشعب هستيريا وقد فقد شعوره وأصبح عاجزاً عن إدراك موقفه وعن الحكم عليه حكماً صحيحاً، فيوجه ضرباته وإمكانياته توجيهياً أعمى ودون أي تخطيط ، ويسرف من قواه من دون أي حسابات ودون أن يصيب في ذلك بطل الاستعمار في المجال السياسي، وهكذا يمضي الشعب الباسل والثوري في هذا الوضع الدرامي كأنما تضحياته ذاتها من النفس والنفيس جمّدته وقضت عليه بالبقاء فيما هو فيه متغافلا عن أنه كان بنفسه أداة طيعة في خدمة مجانية غير مقصودة لعدوه اللئيم الذي أغرقه مسبقاً بألوان شتى من الأفهام والتصورات الخاطئة أو العصبيات المحمومة .

ونحن عندما نتحدث عن الغزو الثقافي والنموذج الغربي لا نقصد التقليل من شأن ما هو الجميل والرائع في شعوب الغرب فنحن نقر جميعاً أن القوم داخل بلدانهم وفي بيئتهم الداخلية وفي كثير من حيثيات النظام العام والأطر القانونية وبعض الجوانب الأخلاقية قد سبقونا بالفعل رغم ما نمتلك من تراث وقيم .. ولكن الحديث هو حول قطار العولمة الكاسحة والتي تعني قولبة العالم بأسره وطبعه بنموذج واحد وقالب واحد على حساب الهويات والخصائص الخاصة بالشعوب الأخرى .. إذن نحن نتحدث عن عالم العولمة الغربية التي تريد أن تتسلل إلى العالم بأسره فضلاً عن مجتمعاتنا الإسلامية لأخذها إلى عالم اللادين واللاأخلاق واللاهوية واللاقيم ،وهذا نقطة جوهرية تخشاها الشعوب الغربية والأجنبية تماما كما نخشاها نحن العرب والمسلمين وذلك لأنها تهدد القيم الإنسانية والأخلاقية وسائر الهويات والثقافات لجميع الشعوب في العالم .

ولأنهم يدركون أننا لا نمتلك في مواجهة هذه العولمة إلا بعالمية الإسلام التي لا تستهين بخصائص الأمم والشعوب فقد كان مشروعهم هو النيل من هذا الإسلام وتشويه صورته النبيلة وقيمه الجميلة بإستخدام جماعات التطرف والتكفير والإرهاب وقد نجحت الإسرائيليات الجديدة والمشركون الجدد في تظهير الدين الإسلامي بمظهر المضخة العملاقة لتثوير الفتن التاريخية والأحقاد التاريخية ؟وأنه النقيض لثقافة المحبة والسلام في العالم .

وإذا صحّ لنا أن نصف هذا العصر وصفاً موضوعياً يحدد لنا موقفه الأساس من الإسلام كثقافة ودين وأمة لقلنا: إنه عصر التكتل للقضاء على حركة الإسلام، فكراً وثقافة، ديناً وأمّة . فالقضية لم تعد مجرّد عصر شاعت فيه مشاريع التشويه للإسلام ومبادئه ولا مجرد عصر شاعت فيه مذاهب الإلحاد وفلسفات الكفر لينتهي نشاطها عند إنكار الإسلام كرسالةٍ سماوية وإنما هي قضية المنظمات الدولية وكيانات الهيمنة والاستكبار في أطرها المختلفة شرقية وغربية التي لم تُؤسس إلا لمقاومة هذا الدين وإلغاء دوره من مسرح الحياة واستعمار كيانه بشراً وثروات .

ولا تزال منظمات الكفر العالمي بجميع إمكاناتها تحاول اليوم تمييع ثقافتنا واستبدالها بنظرياتٍ ماديةٍ جديدة، تستهدف سلخ الإنسان المسلم عن شخصيته الرسالية المؤمنة، وإغراقه في ألوان شتى من الترف الفكري الذي لا يمتّ بأي صلةٍ لدوره القيادي في الحياة حتى بتنا نراه أمام هذه الأضواء المخادعة مبهوراً لا يكاد يلتقط أنفاسه ولا يكاد يبصر التبر من التراب والحق من الباطل وأصبح غارقاً في تسممٍ ذاتي يوشك أن يمتص منه خصائص إنسانيته فغاب تدريجياً عن واقعه، وعن همومه الرسالية ، وإذا به في دوّامةٍ عنيفةٍ قاسيةٍ يود لو يخرج منها لو كان في يديه القرار فهو أينما توجه نراه محكوماً لسلطةٍ لا مرئيّة يتخبط في ظلامها الدامس خبط عشواء، تتجاذبه الولاءات الكاذبة والانتماءات المزيفة بعيداً عن الخط الإسلامي الأصيل وتراثه الرائع .

فهو في البيت، في المدرسة، في الجامعة، في المصنع، في المتجر، في الطريق، في كل نواحي الحياة ومراكزها، محكوم لمنطق الاغتراب والتغريب عن الدين، عن الأخلاق، عن الوطن، وعن إنسانيته في غالب الأحيان .

هذه هي الحقيقة المرّة التي تشبه الكابوس، ولا نبالغ في تصويرها إلا على قدر ما نفذت إلى أعماق الإنسان المسلم لتحوّله إلى أمّعة، إلى غريب بكل ما تعنيه هذه الكلمة من دلالات .

من هنا، نتطلع إلى سياسة العدو الكاسر في تحطيم الإنسان المسلم وتفريغ شخصيّته من محتواها ومعانيها الرسالية المقدّسة وترويضه على الولاية المطلقة لكل أشكال الوثنيّة والصنمية المعاصرة، ونسأل أنفسنا، كيف أفلح هذا العدو في ذلك؟

والجواب الطبيعي .. هو أن عدونا قد حقّق نجاحه الكبير في غزوه الثقافي، يوم هُزم الإنسان المسلم نفسياً وفقد الثقة بنفسه وتحوّل إلى كتلة وإلى أشلاء متناثرة .

ولا ريب في أن الاحتلال العسكري والتحكم السياسي والنهب الاقتصادي، كل ذلك يعتبر إجراءاتٍ أساسيّة في فرض السيطرة الاستعماريّة الشاملة،وتصدير المزيد من الأفكار والمفاهيم المادية وذلك لأن الغرب لم يكن باستطاعته أن يُحكم قبضته على بلاد العرب والمسلمين إلا من خلال العنف العسكري في البداية، ثمّ إحكام السيطرة السياسيّة والاقتصادية والإعلامية. إلا أنّ ذلك لم يكن كل القضية، لأنّ قادة الغرب من سياسيين ومفكّرين ومنظّرين أدركوا أنّ إحكام تلك القبضة يتطلب ما هو أبعد وأعمق .

فلقد أدركوا أنّ الأمر يتطلب تحطيم أسس المقاومة الداخلية، وإقامة أسسٍ متينةٍ لتبعيةٍ دائمةٍ مقيمة، بمعنى تحطيم المكوّنات العقدية والفكريّة والحضاريّة والأنماط المعيشيّة والإنتاجيّة لتلك البلاد العربيّة والإسلاميّة، وإحلال مكوناتٍ أخرى موازية تشكّل أساساً للتبعيّة الدائمة والاستفادة من قطار العولمة وسلطة الإعلام، وذلك يعني تحطيم الأسس الإسلاميّة في عقيدة الشعب وفكره وحضارته وأنماطه المعيشيّة ونهج حياته ونمط سياسته، ثمّ ترويضه بما يجعله يرى في أحد نماذج الغرب قدوته فيمضي لاهثاً وراءه أبداً .

ومن هنا أعتقد أن تكليفكم الأساس كمغتربين في الدول الأجنبية هو أن تحافظوا على إلتزامكم الديني ورعاية أبنائكم من موجة التغريب الأكثر تأثيراً عليهم بسبب وجودهم في تلك البلاد .. كما ينبغي عليكم أيضا أن تنقلوا القيم الإسلامية النبيلة إلى أولادكم ثم إلى تلك الشعوب بعد أن تعيشوها ممارسة صادقة في حياتكم العملية كما لابد من مراعاتكم لقوانين تلك البلاد ونظامها العام وكونوا للإسلام زيناً ولا تكونوا عليه شيناً وقولوا للناس الحسنى ولا تجادلوهم إلا بالتي أحسن وإصبروا على جمرة الدين والتقوى وألأخلاق فإن الله سبحانه حافظكم وحاميكم وهو الحافظ لما أنزل والقائل في كتابه " وَنُرِيدُ أَن نّمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ *وَنُمَكّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مّا كَانُواْ يَحْذَرونَ "

أما عن نقطة الغزو الإسلامي المضاد للبيئة الغربية فذلك من المشاريع الكبرى التي نطمح إليها وأعتقد أن اولى المهمات على هذا الطريق هو الإستفادة من سلاح الفن الإسلامي وسلطة الإعلام ، فمن الواضح اليوم أن الصراع الحضاري والخطر الذي تمثله العولمة وقيم المصالح الأمريكية والغربية عموماً لم يعد متواريا ، بل بدا ومنذ انتهاء الحرب الباردة يعبر عن نفسه علنا وعلى رؤوس الاشهاد ،حتى وصل الأمر إلى حد الإساءة والإهانة لرموز الإسلام ومقدسات المسلمين وهو أمر لم يكن في جوهره حديثاً فما قبل زوبعة الفيلم المسيء للنبي (ص) ومنذ عقود شاهدنا عشرات الافلام التي تشوه صورة العرب والمسلمين ، هذا في وقت كان علماء المسلمين مستغرقين في الخلاف حول الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم .

وحتى ما قبل حروب الافرنجة كتب الغرب أشياء كثيرة ساخرة تشبه الفيلم المسيء لنبينا محمد .. وما قبل الفيلم المسيء للنبي محمد (ص) انتج الغرب افلاما مسيئة عن أنبياء الله سليمان وداود ونوح وابراهيم ولوط وموسى والمسيح والغاية واحدة .. وما بعد فيلم الرسالة المتواضع لم ينتبه المسلمون الى العلاقة بين السياسة وصناعة السينما وأثرهما في بناء الكيان الإسلامي العالمي،بل لا يزال الانتاج الاسلامي للأفلام على حاله الجامدة باستثناء بعض الاعمال الايرانية الرائدة .

فالمسلم يقدم اليوم عبر الاعلام الغربي على انه إرهابي ، والعربى على انه بدوي جلف ، والخطورة في عملية التشوية هذه لا تكمن في ذلك بقدر ما تكمن في تصوير الإسلام على انه المحفز على الارهاب وأن العلة تكمن في بنيته الاعتقاديه وطبيعه تعاليمه ، وبالتالي فان القضاء على الارهاب الديني لن يجدي نفعا طالما بقي المفاعل الذي ينتج الارهاب كفكرة وفلسفة حياة وهو الإسلام في نظرهم، وهكذا فان الغرب تعامل على الدوام مع الإسلام باعتباره خطرا يجب القضاء عليه .

ورغم ذلك كله فإن لدى الغرب قناعة تعترف بالفن الإسلامي وجمالياته المتنوعة ولديهم أيضاً قدرة على الانسجام النفسي البعيد عن التحيز من خلال ميدان التذوق الفني لجماليات فنون الحضارات الشرقية ، وهنا نجد لدينا بابا واسعاً لغزوه فكريا ونفسيا وذلك من خلال إنتاج الكثير من الاعمال الفنية التي تحمل خصائص حضارتنا وديننا على أن تكون ذات تقنية ومهارة مرتفعة توازي إنتاجاتهم وتحقق الكثير من المنفعة في الحياة العملية والإقتصادية ، فمن خلال الفن يمكن غزو الغرب ثقافيا واقتصاديا واخلاقيا ، ومنه يكون المردود الإيجابي على المجتمع الإسلامي ، من حيث جذب الاحترام لشخصيتنا وثقافتنا وعقيدتنا وجذب الشعوب إلى هذا التراث العظيم من القيم الإنسانية .

وإن رسالة الفن اليوم لم تعد تقتصر على الترفيه وحسب بل اصبحت رسالة ذات مغزى خاصة اذا كانت نابعة من عواصم الممانعة والرفض، وتعمق الانتماء للأمة ولقضايا الشعب وتجلي الذاكرة العربية باتجاه القضية المركزية في فلسطين .

أما عن سلطة الإعلام التي تتقاطع أحياناً كثيرة مع مشاريع الفن والسياسة فمن الواضح اليوم أن للإعلام سلطته المؤثرة، وها نحن نرى اليوم كيف تحولت كثير من مواقع هذا الإعلام إلى منابر طائفية بامتياز ، هذا في وقت لا نجد لمشروع الإعلام الإسلامي أي حضور إعلامي إيجابي على مستوى نشر الإسلام وقيمه في العالم ، وكيف يمكن لإعلام إسلامي أن يقوم بمهمة الغزو الإيجابي للعالم وهو مشغول ببثّ ثقافة الفرقة بين المسلمين أنفسهم، أو استفزاز الطرف الآخر، أو تكفير هذا الفريق لذاك الفريق؛ أو ممارسة الشحن الطائفي بأشكال مختلفة .

فنحن بحاجة إلى إعلام إسلامي عالمي، يخطط وينفذ بمبادرات عملانية تستطيع اختراق العالم الغربي ليوصل رسالته بشكل منظم وفاعل ومؤثر وسواء في ذلك رسالته السياسية أو رسالته الدينية

وهذا يعني أننا بحاجة إلى شركة إنتاج إسلامية تقدّم لنا أفلاماً سينمائية تحكي فيما تحكيه العلاقة بين المسلم وغير المسلم وبين الشيعي والسنّي وبين الديني والعلماني وبين المثقف والسلطة وبين الدين والدنيا ،لتحفر في العقل الباطن صورةً جديدة لهذه العلاقة فتحرّك العواطف وتثير الحسّ الإنساني ومشاعر الرحمة والمودة وتؤكد على المشتركات الإنسانية بين الشعوب وعلى موضوعات سلام السلطة وسلام الأديان وسلام المجتمع، وهو ما لم نجده في أعمالنا التلفزيونية والسينمائية والمسرحية والفنية إلا قليلا.

إذن ..نحن بحاجة إلى أن يلعب الفنّ والشعر والقصّة والرواية والأفلام الكرتونية التي تخاطب أطفال العالم أيضا دورها الفعال في إحداث تغيير ونقلة نوعية عجزت عنها الوسائل والأساليب القديمة التي لم تعد ناجحة في التعبير والتغيير ،وما من شك في أن ذلك كله مقدمات أساسية لا يجوز إغفالها في قيامة أي مشروع عالمي للإسلام وهو يلعب دوراً كبيراً في حفر وعي جديد يمكن على أساسه أن نبني بيئة إسلامية جديدة ورسالة عالمية حاضرة بقوة من غير رتوش ولا تدليس .

ولا نغفل في هذا السياق المادة الأخلاقية والإنسانية من المحطات الخالدة لتاريخ الإسلام وحياة أهل البيت والصحابة والتابعين حيث نجد في التراث الإسلامي الكثير من القصص والقضايا والمحطات الغنية بأروع الأحداث والقيم والمثل التي يجب إخراجها فنيا بصورة تتناسب مع مشروعنا الإسلامي العالمي ، ومع عشق الشعوب قاطبة للعدالة والقيم وبحثها الدائم عن القدوة والمثال الإلهي في الأرض ،هذا إذا أردنا بحق أن يصل صوت الإسلام إلى كل العالم في ظل التحديات والظروف الحساسة التي تمر بها أمتنا الإسلامية في العالم .

وختاماً .. أعتقد أن المفتاح الذهبي إلى عالمية الإسلام يتمثل في جعله الغاية المقصودة بذاتها بدل أن يكون الإسلام على الهامش وتكون المذاهب والتيارات الإسلامية هي الأساس ، وهنا ندرك أن لا قيامة لمشروع إسلامي عالمي من دون العمل الخالص على قيامة مشروع وحدة إسلامية صادقة تضع الفروقات الفقهية والسياسية فيما بينها جانباً ضمن الأطر العلمية الخاصة أو الحوارية المغلقة لصالح المشترك من مبادئ الإسلام الحنيف وتعاليم النبي الأكرم محمد (ص) . وهنا يصبح العمل على ترميم البيت الداخلي لأي مذهب من المذاهب مقدمةً أسياسية لبلوغ المرتجى من وحدة الموقف والمشروع العام وإن الـعمل على إصلاح ما في الدار لا يعني إهمال حديقته ولا إهمال الحي وساكنيه ،

وإن العمل على إصلاح ما فسد من المذاهب لا يعني الإساءة إلى أي مذهب من المذاهب الأخرى،فيمكن للداعية المخلص أن يدعو إلى الوحدة المذهبية وفي نفس الآن يدعو إلى الوحدة الدينية العامة ، ولا أدري لماذا إصرار البعض على وضعنا بين خيارين وتصويرهما بصورة المتناقضين ،أفلا يعتبر العمل على توحيد الساحة الشيعية مثلاً عنصرا حيويا من عناصر الإنطلاق نحو الوحدة الإسلامية وتجليات شجرتها الوارفة ؟ومن هنا اعتقد أن كثرة التشرذمات داخل المذهب الواحد يعتبر من أدهى العوائق العلمية والعملية أمام مشروع الوحدة الإسلامية بـحيث يصبح ضبط العناصر الموتورة أيسر من ضبطها في ظل المزيد من الإنقسامات والتكتلات والـتيارات التي تتشابه أحـيانا في فـوضوية تـوجهاتها وأيديولوجياتها مع مزرعة البصل حيث يقول كل واحد منها أنا أنا ،وتكون المأساة حين تحضر المذاهب في تشوهاتها ويغيب الإسلام في إشراقته . وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .