في هذا المفصل التاريخي الحساس الذي تلاحقت إرهاصاته في غير عاصمة عربية وفي أكثر من ربيع دموي وفي أكثر من إنتصار وحجّة ،يبدو واضحا أن خيارنا الوحيد لإيقاظ العقل اللبناني من مغالطاته ومفهوماته عن الحرية والسيادة والإستقلال لن يتم إلا بتحصين هذا الداخل اللبناني المخترق من جميع الجهات المفتوحة على خطر الإحتلال والإرهاب التكفيري ،وهنا يبدأ ثاني أهم مشروع للمقاومة بعد مشروع التحرير وهو مشروعها الدفاعي في إمتلاك قوة الردع وتوازن القوى . وذلك لأن من شأن ثقافة المقاومة حينئذ أن تنتصر بمفهومها الاسترتيجي الشامل على كل عوامل الأزمات اللبنانية والعربية أيضاً، وعندئذ يمكن الحديث عن زوال إسرائيل كغدة قاتلة للعقل العربي وقوة محتلة للجغرافيا والعقول ، فمن دون تحرير العقل لا مجال للحديث عن تحرير الأرض ..
وإن إحدى دلالات التأكيد على إدراج مصطلح المقاومة ضمن البيان الوزاري لأي حكومة لبنانية سابقة أو حالية أو لاحقة لم يكن لمجرد الترفٍ الجدلي في عالم الألفاظ والمصطلحات ، وهو لم يكن لتأكيد هذا الحق الطبيعي بعد ان كان مكفولاً في مواثيق هيئة الأمم التي لم تجرؤ في تاريخها على محو حق الشعوب بالمقاومة وبعد أن كان مكفولا بآيات الكتب السماوية وتعاليم الأنبياء .
إذن .. هو للتأكيد على ثقافة ترسيخ معادلة توازن القوة والردع الذي يؤمّن الأمن والسلام والسيادة الوطنية ،ويزيل حالة الإحباط ونظرية الطريق المسدود لتبرير الإستسلام أو الهزيمة في بلد يخشى على ابنائه أن يعتقدوا مع الأيام أن الضعف قدرهم ، أو أن يقرأ أبناؤهم غداً في كتب التاريخ أن الذين حرروا الوطن إنما كانوا مجموعة من اللصوص وقطاع الطرق .
ومن هنا يصبح الإصرار على المصطلح إصراراً على ثقافة الممانعة حتى لا يلفها مع الأيام مشروع الميوعة والتسطيح لقضايانا الوطنية الحساسة وذلك لأن ثقافة المقاومة هي ثقافة الامتناع ضد أي شكل من اشكال الاستسلام لواقع زائف يراد له ان يكون هو الحقيقة .
وهو أيضاً تأكيد يستهدف ترسيخ فكرة إستبدال الضغف المزمن للدولة بقوة الحركة الشعبية المسلحة مقدمةً لصياغة منظومةٍ دفاعيةٍ مشرّفة ،لإحداث التوازن المطلوب مع العدو الإسرائيلي وحلفائه في الشرق والغرب ولرد هذا الإرهاب التكفيري الذي يضرب في كل مكان ولأن الحرب مع هذين العدوين ستطول فإنه من المنطقي حينئذ أن يصبح المجتمع بطاقاته والمقاومة بإمكاناتها شريكة للجيش والاجهزة الامنية في رد العدوان وفي مكافحة الارهاب من دون أن ينتقص ذلك من هيبة الدولة وحضورها إلا لدى المعقدين أصلاً من فكرة وجود المقاومة ومن فكرة إنتصارها على الإحتلال لأنهم كانوا يمنون النفس ولا زالوا بأن يكون لبنانهم إسرائيلي الهوى وأمريكي الولاء ،ولم يكن لدى هؤلاء غضاضة في أن يكون لبنان محتلاً أو مقهوراً أو ذليلاً تابعا مسحوق الإرادة ومنهوب الثروات والقدرات لصالح جيوبهم وخزائن أسيادهم .
ولو كنّا فيما مضى ننتظر البيانات الوزارية لكانت إسرائيل حتى لحظتنا هذه جاثمة فوق أرضنا ولكانت المستعمرات قائمة في ربوع وطننا ولكن المقاومة ومنذ ثـلاثين عـاماً وحتى اللحظة ومن دون إجماع وطني أو بيان وزاري أسقطت كل هذه النتائج المحتملة وستُسقط أيضاً هذه مصالح القيم المشتركة بين الغرب والشرق التي يُراد الترويج لها اليوم بفعل التصالح الـفاضح بين الشهود والـمجرمين وبين المبدئية والنفعية وبين الخيانة والوطنية .. ولن ترضى المقاومة هذه المرة أن تكون ضحية أخلاقها وتواضعها وقيمها السامية ..وما الأرض والشعب والهوية والقيم لولا حماتها وما القيم المشتركة لولا القيمة التاريخية والحضارية لفعل المقاومة والتحرير وتوازن الردع الذي أبقى على بقايا الدولة ووحدة الجيش ووحدة الكيان والمصير
وعلى هذا لا ينبغي أن يؤخذ بند المقاومة بنداً شكلياً وإنما ينبغي جعله نهجا لنشر ثقافة الموقف والمواجهة والإنتصار أيضاً كبديل أساسي ليس عن الدولة ومؤسساتها وإنما كبديل عن ثقافة الإحباط والهزيمة ،ليثمر في أيام النكبة والنكسة والضغوطات الدولية وشبح الحروب الأهلية والفتن المذهبية مسيرات للعودة بالإتجاه المعاكس نحو فلسطين ..
واليوم وأمام الحوادث الإستثنائية والمشبوهة التي تجري في لبنان،تتأكد ضرورة الحذر والإنتباه للمخاطر المحدقة بالجميع ، ولحساسية الوضع الداخلي الراهن وخط القلق الذي يعيش فيه لبنان وجميع اللبنانيين ، وهنا تبرز معطيات لا بد أن يلتفت إليها بعض السياسيين المعتزين بعلاقاتهم بالقوى الخارجية واستقوائهم بالدول الكبرى ،وتضع أمامهم حقائق جديدة وهي :
أولاً : لقد أدخلت الحوادث المتعاقبة والهجمة الشرسة لأدوات الإرهاب الساحة اللبنانية في أجواء متوترة تفرض على الجميع أسلوب الحوار الجدي والهادىء لتجنب المزيد من المزالق والأفخاخ والإنتهازية والتعصب ، فكما كان الحوار دائماً ضرورة كل مرحلة ، يجب أن يكون الحوار اليوم هو العنوان العريض لمرحلتنا التي نعيش كل تعقيداتها وأزماتها . وإذا لم تحسم الأطراف المعنية خياراتها وإذا لم تتخذا موقفاً جريئاً وإنسانياً وحضارياً وسياسياً مسؤولاً يفضي إلى اللقاء والتفاهم والحوار وحسم نقاط الخلاف والإختلاف فإن النتيجة الحتمية ستكون كارثيةً على لبنان واللبنانيين .
ثانياً : إننا نشعر بأن الأجواء التي تثار اليوم في لبنان وما يجري على أرض وطننا من الأحداث التي بدأت تتطور وبتطورها بدأنا نشعر أننا معنيون ومستهدفون ، مستهدفون في وجود وطننا ، وفي سيادتنا ، في أمننا وتعايشنا ، ولا ننسى القضية الأساس بعد الوطن وهي قضية المقاومة وحفظها وحمايتها وحماية سلاحها واستراتيجيتها في الدفاع عن الوطن ، وضرورة بقائها الى جانب الجيش اللبناني . 
ثالثاً: إن المعادلات التي تدرس في موازين القوى العسكرية وفي حسابات الربح والخسارة لا تصح دائماً . والمقاومة لا يمكن أن يفرض عليها الموقف بالقوة ولا بمحاولة إلغائها ومحاصرتها والإستقواء عليها بالخارج ، أو تهديدها بإشعال نار الفتنة المذهبية ، أو إستغلال بعض الحوادث الداخلية للتصويب عليها ، تمهيدا لشطبها من الساحة السياسية . فإن المقاومة في لبنان لا تريد الاعتداء على أحد ولا فرض رأي سياسي أو وضع اجتماعي أو مناخ ديني على أحد، ولكن المقاومة بالتأكيد لا تقبل الاعتداء من أحد ولا فرض رأي سياسي أو وضع اجتماعي من أحد. 
رابعاً :إن المعركة تبدو لدى الكثيرين وكأنها تعتمد على حسابات خاطئة لأنها تعتمد على أسلوب التهديد والتهويل ولكن التهديد والتهويل والإستعانة بالقوى العظمى لم ولن يغّير من المواقف ولا من القناعات وعلى هذا فلا مفر من الحوار، والعمل الجاد في سبيل بناء وطن واحد للجميع وجدية السعي المشترك من أجل إنقاذ الوطن من هيمنة الدول الكبرى وتدخلاتها السافرة في شؤونه الداخلية .
ومن أجل المحافظة على الثوابت الوطنية تعالوا وقبل التورط الأخير لنعيد النظر في المعادلات الحضارية والحقائق الوطنية الناصعة التي كتبت بالدم والمداد طوال ثلاثين عاما .