ثبت بالدليل القاطع أهميَّة فصل الدين عن الدولة ، وتحديداً إبعاد رجال الدين عن السياسة ..منذ تولِّي الكنيسة لشؤون الدنيا ووصولاً إلى أمراء الأحزاب الجهادية وسطاء الله على الأرض...أن تصبح الفتاوى رخص للموت في الرقعة السورية وغيرها من رقاع العالم مسألةٌ تستدعي التوقُّف عند مهام رجل الدين باعتباره مصلح إجتماعي وواعظ أخلاقي يستهدي بالكلمة لا بالسيف طريق الله والإنسان...إنَّ ما سمعناه جنوباً وشمالاً من فتاوى فاتحة للمقابر ومن أبوابها الواسعة يدفعنا بالتوجُّه إلى المؤسسات الدينية للطوائف الإسلامية وخاصة إلى المجلِسَين الإسلامي الشرعي الأعلى والمجلس الإسلامي الشيعي للإطلاع على تدابيرهم المتخذة في هذا المجال لصون البلاد والعباد من مغامرات قد تطيح بالإسلام نفسه عندما تسفك طائفتاه دماء أتباعهما في كلِّ بيتٍ وحيٍّ وشارعٍ ومنطقةٍ ودولةٍ...ومن وراء المؤسسات الدينية أسأل السلطة الرسمية أو ما تبقَّى منها عن مواقفهم من الإثارات الطائفية والمذهبية وشهادات الموت لصالح سياسات تتعدَّى حدود ومصالح الوطن...إنَّ السكوت يعني أنَّ ثمَّة مشاركة أو موافقة على إجتهاد الجهاديين في سوريا وهذا يضمر خوفاً كبيراً على لبنان كصيغة عيشٍ ، وككيان سياسي..لقد إبتعدت أوروبا عن الدين بسبب إستغلال الكنيسة لسلطة دنيوية أفسدت الناس وجعلتهم أنداداً لها.. ومن الطبيعي أن نشهد مثل خاتمة الكنيسة في أوروبا وفي البلاد الإسلامية والعربية بعد أن شعرت التيارات الدينية وأفسدت بإستحلالها للمال الحرام والدم الحرام وممارسة أبشع ما يمكن وصفه من وسائل في الحكم والإدارة ، وما طالبان إلاَّ النموذج الدال على بشاعة تدخل رجال الدين وتياراتهم الجهادية في شؤون الدولة بكل مقاصدها..فهذه هي الإيديولوجيا التي تجعل الإنسان يعيش بأفكار موهومة تدفع الشخص في ريعان الشباب إلى المسير بإتجاه معيَّن كما يريده أصحاب المطامع والفئات السلطوية...وهذه هي حال التيارات الأصولية والمذهبية والدول الدينية التي تتحرَّك ضمن منظومة من الأفكار الماضوية ومدفوعة بدوافع إيديولوجية تدفع الناس بهذا الإتجاه وتعمل على تعمية الواقع وتشويه الحقائق من أجل حفظ مكانتها في قلوب الناس وحفظ الإمتيازات السياسية التي إكتسبتها من خلال الضرب على وتر الدين والمقدَّسات والتهويل من الخطر الشيطاني المزعوم...هذه هي الرؤية التي يراها رجال الدين وأصحاب السلطة الدينية التي تصبُّ في دائرة تكريس التعصُّب المذهبي بعيداً عن التفكير الواقعي والإلتزام الواعي بمسؤوليتها في خدمة المجتمع ورفع الموت والقتل عنه وتحقيق الرفاه الإقتصادي والحضاري فإنها تقوم بإنفاق أموال وثروات الشعب المادية والفكرية في عملية التليغ والجهاد الديني والإعلام السياسي لإثارة الأحاسيس المذهبية وتحويل الموقف في عقول الناس إلى حالة من التوجس والخوف الدائم على الدين والمقدَّسات لأنَّ المهم لدى هذه التيارات الأصولية وأتباع الإسلام السياسي ليس هو العيش والرفاه والحياة الكريمة للمواطنين بل الدعوة إلى الجهاد والدين حتى ولو كان على حساب الدين نفسه والقيم الإنسانية والأخلاقية للمجتمع الإسلامي..ولذلك نشهد في عالمنا الإسلامي والعربي موجة من الفتاوى والقتل الفجيع تارة بحجج دينية وأخرى بحجج تكفيرية