لم يغفل الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله في اطلالاته الاخيرة الملفات الاقتصادية والمالية في البلاد، رغم تركيزه الدائم على الوضع الاقليمي وعلاقة حزبه بتطوراته، لا سيما في المناطق التي تنخرط فيها عناصره بالقتال، او له فيها مصالح استراتيجية تتصل بسياسته حيالها كلاعب اقليمي.

 

ليست المرة الاولى يطلق السيد معركته ضد الفساد، وقد ذهب في اطلالته الاخيرة قبل يومين أبعد، فتناول هذا الملف بالكثير من الاهتمام والحرص على ان يكون للحزب كلمة وموقف في الملفات الاقتصادية المطروحة، ليس في معرض الرد حصرا على ما أثاره كلامه عن استعداد ايراني لدعم لبنان في مجال الكهرباء او الدواء او حتى تسليح الجيش، وانما من منطلق تأكيده ان الحزب الذي اعطى في السابق الاولوية للقضايا الاستراتيجية التي تهمه، بات جاهزا الآن لايلاء الملف الداخلي الاولوية، نظرا الى ما يتطلبه ذلك من رعاية في ظل التدهور الذي بلغته البلاد.

 

وبدا واضحا من مداخلة عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب حسن فضل الله في جلسة الثقة التزام الحزب فتح ملف الفساد وتسمية “اللصوص” كما عرف عنهم السيد، علما أن فضل الله كان مكلفا من الحزب قبل أشهر هذا الملف، ولم يخرج بأي قرار بفتح اي ملف طيلة تلك الاشهر.

 

لماذا هذا الاهتمام المفاجىء من الحزب؟ تسأل مصادر سياسية مراقبة، وهل يعني هذا الانخراط الجديد في شأن داخلي، كان في ما مضى حكرا على الفريق السياسي الذي يمثله رئيس الحكومة سعد الحريري، على قاعدة معادلة تقوم على ان الملف الاقتصادي متروك للرئيس الشهيد رفيق الحريري، وقد استمرت هذه المعادلة قائمة مع نجله الرئيس سعد الحريري الذي أولى هذا الملف اهتماما خاصا من خلال المؤتمر الدولي “سيدر”، كما حرص على تركيز البيان الوزاري لحكومته على هذا الموضوع، كأولوية لحكومة “الى العمل”؟

 

لم تعد هذه المعادلة صالحة اليوم، ولم يعد الاقتصاد للحريري والأمن للحزب. لكن في المقابل، لم يعد الحزب قادرا، كما كان يفعل سابقا، على تعطيل الملف الاقتصادي. فعل ذلك مع باريس٢ وباريس٣، لكنه لم يعد قادرا على فعل ذلك مع “سيدر”. وهو قادر على الدخول شريكا أساسيا في تنفيذ توصيات المؤتمر وحصد ما يمكن من المشاريع الممولة منه.

 

وهو بذلك يدخل الملف الاقتصادي من باب مكافحة الفساد ساعيا الى فرض شراكته في الحكم، ليس من خلال القبول بتقاسم المسؤولية عن المرحلة الماضية التي يحمل الحزب مسؤولية ما آلت اليه الاوضاع بما فيها المديونية العامة، الى السياسات الاقتصادية التي كانت متبعة، لكنه يدخل اليه من خلال الرغبة في الشراكة والقرار. يكفي الاشارة الى ما ذكره في هذا الشأن نصرالله عندما ذكر بخطة الوزير محمد فنيش للكهرباء ودعم ايران لها، بما كان أمن الكهرباء ٢٤/٢٤ في ما لو طبقت.

 

تعزو المصادر المراقبة هذا الامر الى معطيين أساسيين، أولهما ان عودة الحزب من الاعمال العسكرية والانخراط في الإقليم تحتاج الى مرحلة انتقالية تعبد الطريق المحلي. ويشكل الملف الاقتصادي جزءا اساسياً لهذه العودة، ولا سيما ان الحزب بات يمثل الى جانب حلفائه الغالبية النيابية والحكومية التي تجعله في موقع تحمل المسؤولية، وتسقط اي تبرير امام جمهوره لأي تقصير في تقديم الخدمات وتحسينها.

 

أما المعطى الثاني فيتصل بالعقوبات الاميركية التي تشتد على الحزب وعلى ايران، فيما لبنان موضوع تحت المجهر الدولي عموما والاميركي على وجه الخصوص. ويشكل الملف الاقتصادي مدخلا أساسياً لزيادة المداخيل التي بدأت تتقلص من جراء العقوبات. كما يشكل خزانا مهما لتقاسم منافعه، وعدم البقاء ضيفا غريبا خارج المحاصصة التي على اساسها تنفذ المشاريع.