خطوة المصالحة التي حصلت في بكركي، كان لها وقع الصاعقة على رؤوس أزلام المخابرات السورية في لبنان
 
ما كان تهجّم الصحفي بجريدة الأخبار على بشير الجميل يستوجب كل هذه الردود لو أن من نطق به يمثل رأيه الشخصي، أو أنه صحافي غير مرتبط بصحيفة تتقن دورها تماماً بإثارة النعرات والفتن واجتراح الأزمات بالبلد، من خلال غرف مخابراتية سوداء تستمد سوادها من مكاتب علي المملوك ومن لفّ لفّه .
 
لم تهنىء جريدة الأخبار، بالرغم من كل ظلامية الأوضاع التي تمرّ بها البلاد على كل المستويات السياسية منها والمعيشية، فأزعج ناظريها بالأيام الأخيرة نقطتي ضوء تسربا في عتمة ليلنا الكالح مما أفقدها توازنها وهي الحريصة على إبقاء اللبنانيين وإرجاعهم إلى مرحلة هي من أبشع مراحل تاريخ لبنان، مرحلة الحرب الأهلية لأنه  حينها فقط كان مشغليهم بأحسن حالاتهم ولطالما يحنّون بالعودة إليها .
إقرأ أيضًا:إستقلال بلد محتل
 
أتفهم تماماً، كم أن خطوة المصالحة التي حصلت في بكركي، كان لها وقع الصاعقة على رؤوس أزلام المخابرات السورية في لبنان، وكيف أنها خطفت ببريقها أبصارهم، ليس كونها مصالحة سياسية، خسروا من خلالها حليفاً مقرّباً كسليمان فرنجية، لأن هذا لم يحصل حقيقة، فزعيم المردة لم يُغيّر تموضعه السياسي كما يؤكد باستمرار، وانما بالنسبة للجريدة المذكورة فقد حصل ما هو أفظع من مجرد خسارة حليف، لأن هذه المصالحة الوجدانية قد تساهم بتنقية الذاكرة " السوداوية " بين طرفين لبنانيين، وهنا بالنسبة إليها مكمن الخطر الحقيقي .
 
أما البريق الثاني الذي كاد أن يخطف أبصار كتاب الجريدة والعاملين عليها، فهو تصريح نائب القوات اللبنانية بأن " كل شهيد لحزب الله سقط دفاعاً عن لبنان فهو شهيد للقوات اللبنانية "، وهنا لم ترَ الجريدة ومن خلفها بهذا التصريح مجرد غزل سياسي بين القوات اللبنانية وحزب الله فقط، بل قرأت فيه ما هو أخطر من ذلك بكثير فهو يؤسّس لثقافة وحدوية جديدة مبنية على اعتراف الأفرقاء اللبنانيين بشهداء بعضهم البعض بعيداً عن الأدلجة المسبقة وبعيداً أيضاً عن التموضعات  المختلفة، ويكفي أن يكون الهدف من الإستشهاد هو " الدفاع عن لبنان " بغضّ النظر عن كل التفاصيل حتى ينال الشهيد مقامه المحترم عند كل اللبنانيين مما يعني بالضرورة فتح صفحة بيضاء على مستقبل أبيض يجمع اللبنانين ولا يعودوا أسرى  لماضي هم بحاجة للخروج منه، وهذا ما يُنغّص على الجريدة عيشتها ومستقبلها .
 
فهذا المفهوم العظيم إن سرى في عقول اللبنانيين وأخذ حيّزه في وجدانهم، سيكون كفيل بمحو كل موبقات مرحلة الحرب الأهلية المقيتة، وهذا ما يقلق كل المتربصين بلبنان وأهله والساعين دوماً لخلق فروقات ثقافية وفكرية بينهم، والساعين إلى تفرقتهم إن من خلال  بثّ سموم فكرية وعقائدية كما تفعل جريدة الأخبار وكاتبها حسن عليق، أو من خلال زرع عبوات ناسفة كما حاول أن يفعل ميشال سماحة .