لماذا وكيف يستغل بعض المتسوّلين عاطفة الناس للكذب عليهم وتكديس الأموال؟
 

لا يمكن أن تتجول في الشوارع اللبنانية، إلا وستجد عدد من المتسولين الذين يطلبون المال منك، ففي كل شارع لبناني ستُصادف هذه الظاهرة (التسول)، وبين انجرارك وراء عواطفك التي تدفعك لمساعدة هؤلاء، وبين تفكيرك بمدى صدقهم وهل هم فعلاً محتاجين للمال، تحتار ماذا تفعل، وتحاول أن لا تقع فريسة المتسولين، ولكن في نفس الوقت لديك رغبة في مد يد العون! وهذا الأمر، يدفعك إلى السؤال عن أسباب التسول وطرق علاجه؟ وفي نفس الوقت لماذا وكيف يستغل بعض المتسوّلين عاطفة الناس للكذب عليهم وتكديس الأموال؟

تعد ظاهرة التسول في لبنان ظاهرة قديمة تغزو المجتمع اللبناني، واتسعت حدتها بفعل (النزوح السوري) إلى الأراضي اللبنانية، حيث يوجد في لبنان أكثر من مليوني نازحٍ (سوري)، وتشير المعطيات إلى أن هذه الظاهرة تنتشر بكثافة في مختلف المناطق اللبنانية وخصوصاً في العاصمة بيروت وضواحيها، وأغلبية المتسولين هم غير لبنانيين، وابرزهم أطفال وذوي إحتياجات خاصة...
ويحاول هؤلاء إستغلال مشاعر الشخص المساعد عبر تحميسه لدفع المال له بحجة أنهم محتاجين، فالبعض يملك اسلوب عاطفي وذكي لإستمالة مشاعر الناس، وخصوصاً الأطفال، فيسعى المتسولين الكبار إلى استغلال طفولتهم البريئة وتدريبهم على طرق تساعدهم في جلب المال كقولهم أنهم جائعون يردون المال لشراء الطعام، عدا عن اعتماد اسلوب التخويف حيث يقول بعض الأطفال أنهم معرضين للضرب في حال لم يجلبوا المال لرب العمل، أما المتسولين الكبار يعتمدون حجة المرض والحاجة للعلاج، واستغلال المناسبات الدينية كشهر رمضان مثلاً، وغيرها من الطرق التي تلعب على عواطف الناس...

ومؤخراً شكلت حالة المتسولة اللبنانية فاطمة محمد عثمان (54 عاماً) صدمة كبيرة بالنسبة للمجتمع اللبناني، والتي صُنفت بـ "أغنى متسولة في العالم بعد رحيلها"، حيث بلغ رصيد فاطمة بعد وفاتها "5.5 مليون دولار في أهم المصارف اللبنانية، فضلًا عن 5 ملايين و700 ألف ليرة ما يعادل 4 آلاف دولار كانوا داخل السيارة التي كانت تسكنها طيلة 15 عاماً قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة" وفق المعطيات...
حالة المتسولة فاطمة طرحت اسئلة عديدة وغريبة لدى اللبنانيين أبرزها ما الذي يدفع الناس إلى التسول وتجميع المال رغم توفرها لديه..
 أما أبرز أسباب ظاهرة التسول في لبنان بشكل عام فهي:

 

ظاهرة النزوح 

ساهم النزوح السوري بتفاقم الكثافة السكانية في لبنان، ويعد أحد الأسباب الرئيسية التي ساهمت في ازدياد ظاهرة التسول، حيث لم يجد بعض النازحين فرص عمل فاعتمدوا اسلوب التسول كوسيلة لجلب المال.

انتشار المافيات والعصابات

يعمد العديد من المتسولين إلى تشكيل "مافيات" وعصابات خطيرة، أو ما يعرف بشبكة كبيرة من المتسولين تتألف من النساء والأطفال والمسنين، ويستغل أصحاب هذه العصابات المتسولين الذين يعيشون تحت رحمتهم وتحت التهديد، في الوقت الذي يغيب دور السلطة عن مراقبة هذا النوع من العصابات.  

غياب القوانين 

لا يوجد قانون واضح وصريح يمنع ظاهرة التسول في لبنان، بل العكس، إن الدولة اللبنانية عاجزة عن وضع حد لإزدياد هذه الظاهرة، في الوقت الذي يستغل فيه المجرمين الأطفال للعيش تحت رحمتهم، ووفق المعلومات "يقتصر الدور القانوني للدولة والجهات المعنية على التوقيع والتصديق على إتفاقيات حقوق الطفل التي تعترف بحقوقه وحمايته من الإستغلال الإقتصادي أو القيام بأي عمل يكون ضاراً بصحته الجسدية والنفسية".

الوضع الإقتصادي

يعيش لبنان حالة إقتصادية متدهورة، بفعل تراكم الديون، وتدني الدخل الشهري، وازدياد معدلات الفقر، هذا عدا عن قلة فرص العمل والبطالة، الأمر الذي يدفع البعض إلى التسول وطلب المال من الآخرين. 

الكسل وفقدان الرغبة في العمل 

يفضل بعضِ النّاس الراحة والكسل على العمل والنشاط، فيجدون في التسول وسيلة مربحة ومريحة لجلب المال دون تعب، والبعض الآخر يجد في التسول حِرفةً مُريحة ومُجدية.

تراجع الدّور الاجتماعي 

تراجع الدور الإجتماعي والإنساني بين النّاس في المُجتمع، وغياب الشّعور بالعدالة الاجتماعية، بحيث قد لا يساعد الإنسان أخيه الإنسان إذ مر في ضيق إقتصادي، وهذا ما يدفع المحتاجين إلى التسول لأن ما اليد حيلة.

طرق علاج ظاهرة التسول

- إجراء الدّراسات الاجتماعية اللازمة للكشف عن الأسباب الحقيقيّة لمشكلة التسول وأسباب انتشارها، وطرح توصياتٍ للحد منها.
- العمل على توعية المُجتمع لخطورة هذه الظاهرة، من خلال نشرِ برامج التّوعية حول التّسول وآثاره ومضاره سواءً عبر وسائل الإعلام أو عن طريق عقدِ ورشاتٍ توعويّةٍ لأفراد المجتمع، ليكون المُجتمع مُسانداً حقيقاً في عمليّة مكافحة الظّاهرة.
- إنشاء مراكز متخصّصة بمُكافحة التسوّل.
- وضع قوانين رّادعة، وتطبيقها دون تراخٍ على من يقفُ خلفَ المافيات والعصابات، التي تستغل الأطفال والمتسولين لتحقيق مكاسب شخصية، وتفعيل دور القوى الأمنية وإشراكهم في عملية القبض على المتسوّلين.
- تشجيعُ قيمة التّكافل والتعاون الاجتماعي ونشرها بين أفراد المجتمع، ليشعر النّاس بالمُحتاجين ويُقدّموا لهم العون كي لا يضطرّوا لطرق باب التسوّل، وذلك عبر تقديم التبرّعات من خلال الجوامع، والجمعيات الخيرية والدينية.
- تأسيس جمعيّات خيرية ودعمها بالمساعدات النقدية والعينيّة لكِفاية المُحتاجين وإبعادهم عن التسوّل.