تلف أعصاب، غضب وشتائم، تأخر عن العمل، تلوث، و خسارة مالية تقدر ب2 مليار دولار سنوياً جراء زحمة السير
 

في لبنان، إذا كان دوام عملك عند الساعة الثامنة صباحًا، عليك أن تنطلق من منزلك قبل حوالي أكثر من ساعتين لكي تصل إلى العمل، لأنك مع موعد مع زحمة سير خانقة تحسب لها ألف حساب كل يوم.
لزحمة السير تلك قصة طويلة كطول السير، خانقة كدخان آلاف السيارات المنتظرة على الطرقات، وحكاية مزعجة كصوت الأبواق المتعاركة، وصيحات السائقين الغاضبة، عدا عن موت الأرواح التي تذهب هدرًا بفعل حوادث السير،  فلهذه الزحمة أسباب كثيرة، ونتائج مميتة فما أبرزها؟ وما هي حلولها؟  

الأسباب
- ظهور البرستيج اللبناني، لاشك أن هذا البرستيج يستحوذ على عقول أغلب اللبنانيين، حيث أن لكل فرد في العائلة سيارته الخاصة، ما يعني أن العائلة الواحدة لديها أكثر من سيارة، وهذا ما يزيد عدد السيارات المتواجدة في لبنان.

- كثرة السيارات العمومية (الفانات والباصات...)، عدا عن السيارات الغير قانونية، وما يمكن تسميته بفوضى النقل العام.
- غياب وسائل النقل العام المنظّم والعصري الذي يشمل جميع الأراضي اللبنانية مما يؤدّي إلى وثوق اللبنانيين باستخدامه والتخلّي عن استعمال سياراتهم الخاصة في تنقّلاتهم.
وبدورها أشارت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي إلى أن "غياب هذا القطاع (النقل العام) يساهم في ازدياد مطرّد وسريع لأعداد المركبات الآلية، حيث تتحوّل طرقاتنا تدريجيّاً إلى مرائب كبيرة، مهما جرى تطويرها أو توسعتها أو استحداثها مع الإشارة إلى عدم وجود الصيانة الدورية اللازمة عليها".
- كثرة باصات المدارس التي تنقل الطلاب في أوقات واحدة.
- تدهور الطرقات إثر غياب شبكة الطرق، وغياب سياسات تنمية الطرق وصيانتها.
- غياب المواقف المخصصة لركن السيارات، الأمر الذي يؤدي إلى ركن السيارة بطريقة عشوائية وغير قانونية.
- وجود المحلات التجارية والمؤسسات الكبرى حيث المناطق المكتظة، والتي تستقطب عدد كبير من الزبائن الذين يركنون سياراتهم في أقرب مكان للمحل أو المؤسسة...
- وجود معظم الإدارات الرسمية والمؤسسات العامة في المدن الرئيسية لاسيما في بيروت، وهذا ما يجبر آلاف المقيمين خارجها على التوجه اليها لإنجاز أعمالهم ومعاملاتهم.
- غياب إشارات المرور في العديد من المناطق اللبنانية، وسوء تنظيم السير، عدا عن عدم الإلتزام بنظام السير.

النتائج
- تلف أعصاب اللبنانيين نتيجة الزحمة الخانقة.
- زيادة حوادث السير، جراء السير الغير منظم والسرعة الزائدة وغيرها من الأسباب.
- خسارة مالية كبيرة، حيث تتكبد الدولة نحو ملياري دولار خسائر سنوياً، بسبب المحروقات التي يزداد استهلاكها في زحمة السير، وضعف الإقبال على الإستهلاك هرباً من زحمات السير خصوصاً في فترة الأعياد، وإضاعة الوقت وانخفاض انتاجية العمل.
- زيادة نسبة التلوث، نتيجة الغازات السامة من عوادم السيارات، إذ تزداد هذه النسبة في كل عام، وهذا ما يسبب أمراض قاتلة للبنانيين كالسرطان مثلاً.

الحلول
نتيجة غياب سياسات تنمية الطرق وصيانتها، ما ساهم في خلق مشكلة زحمة مروريّة مزمنة، والحدّ من الإستثمار والنمو الاقتصادي، كما أدّى إلى تراجع معدّلات السلامة على الطرق، نشر مركز الدراسات في (بلوم بنك) العام الماضي، تقريرًا يظهر فيه أن لبنان في المرتبة 124 من بين 138 دولة من حيث جودة الطرق. 
وتقترح الدراسة نقلاً عن صحيفة "الأخبار"، "مجموعة من الحلول لمعالجة أزمة السير في لبنان وتخفيف الإزدحام على الطرق، بما سيسمح بجذب الإستثمارات وتوسيع نطاق المشاريع إلى خارج العاصمة، وتنشيط المناطق الريفيّة، وتالياً إحداث نمو في الإقتصاد. 
وتتمثّل هذه الحلول بالآتي:

- إنشاء نظام نقل عام حديث وموثوق، ما سيقلّل من الزحمة المروريّة ومن عمليّة استيراد السيارات، وتالياً سيحدّ من التلوّث ويخفّف الفاتورة الصحيّة، وذلك عبر توفير ممرّات خاصّة للنقل العامّ وتحديد أولوياته في إشارات المرور.
- إحياء نظام السكك الحديديّة التي كانت قائمة قبل الحرب، وإزالة التعديات الموجودة عليها، علماً بأن الاتحاد الأوروبي منح مبلغ 2 مليون دولار في عام 2014 لدراسة إعادة إعمار ممرّ بيروت – طرابلس، أو إنشاء خطّ نقل سريع (باصات النقل السريع)، وخصوصاً أن تكلفته الرأسماليّة هي أقل خمس مرّات من تكلفة بناء السكك الحديديّة.
- إدارة السلامة على الطرقات، وإدارة حركة المرور، من خلال الإستثمار في نظام النقل الذكي، الذي قد يساهم في تقليل احتمال حدوث زحمة سير، وحوادث ووفيات، كما يسهم في حفض استهلاك الوقود والإنبعاثات من خلال استعمال إشارات المرور الذكيّة كتدبير وقائي يهدف إلى اكتشاف أماكن الزحمة والإختناقات، ويساعد في التقليل منها في الطرق الرئيسيّة، بما يوفّر المال والوقت.
- تحسين نوعية الطرق، وتأهيلها، وخصوصاً أن الطلب على السيارات الخاصّة سيظل في ارتفاع، إذا ما استمرّ الوضع الراهن، وإلى حين تنفيذ مشاريع النقل العام التي عادة ما تكون مشاريع متوسطة أو طويلة الأجل وتشهد تأخيرات متعلّقة بالتمويل".