لأوّل مرة في تاريخ المقاومة نسمع أن طلائع محور الممانعة من السياسة إلى الإعلام ليست ضدّ وجود العدو ومع أمنه في ظل سكوت تام وصمت له دلالات نأمل أن لا تكون كما يُفسر الصمت عادة
 

ليس غريباً الحديث في السياسة عن وجود "إسرائيل" المحتلة لفلسطين من قبل سياسيين وغير سياسيين رسميين أو من هم في طريقهم إلى السلطة طالما أن المسألة ليست إيديولوجية بالنسبة للكثيرين ممن يرون حقاً للكيان في الأمن والوجود المستقر لذلك لن نجادل أهل التطبيع من عرب وغير عرب طالما أنهم حايدوا أنفسهم واعتبروا أنهم مع حلّ الدولتين لا مع حلّ فلسطين من البحر إلى النهر وبالتالي لن تُسعف الأعذار هنا نزولاً عند رغبة من بيده مقاليد الحكم وقد بُلل وجهه بالحياء من الشهود لسماع ما لا يُسمع من أرفع مستوى سياسي ومن على أهم منبر ومنصة إعلامية ممانعة وفي أصعب مرحلة من مراحل التاريخ الفلسطيني بعد أن هوّد ترامب القدس وجاء من بعده من يثير أجواء لا تخدم المُقدسات ولا القضية الفلسطينية ولا قوى المقاومة التي تحتاج في هذه المرحلة إلى من يضعها على سكة العودة إلى الطريق الفلسطيني بعد أن كثرت سُبُلُ الارهاب.

إقرأ أيضًا: جبل محسن أم جبل باسيل؟
بدون أعذار لقد قيل ما قيل وبثت وسيلة المقاومة والممانعة الحديث الشيق بحرارة معهودة طالما أن الحديث يطيب من أفواه الحلفاء ولو أن أحداً قد قال ما قاله الحليف لأفتى مشايخ الجهاد ولقامت قيامة جهابذة الممانعة من اليسار واليمين ومن المعتاشين على أرزاق غيرهم ولسالت ألسنتهم على كل الوسائل الإعلامية المفتوحة لهم من كل الاتجاهات وكانت القضية قضية وطنية وقومية واسلامية وأممية تحتاج إلى مؤتمرات لمواجهة المؤامرات التي تحيكها أميركا ومن معها من أتباع وعملاء.
هذه هي حقيقة المواقف في لبنان أنها تُعذر بقدر قرب المخالف منها فافعل ما شئت وتكلم بالممنوع وبالمحرمات ما دُمت في السياسة (مقرفصاً) هاهنا بين هذا المحور أو ذاك المحور ولا همّ ولا غمّ  من أن تعلن ما في نفسك فرب الحزب والطائفة والمحور مسامح كريم لا يُحاسب وهو غفور يغفر لمن يشاء من حوارييه ولكن إحذر من بطشه وغضبه إن قلت ما قاله أحد الحواريين وأنت في المقلب الآخر أو غير مستقلاً غير مربوط بحبل التبعية فالويل والثبور وعظائم الأمور.

إقرأ أيضًا: الموارنة من كميل شمعون لجبران باسيل
تصوروا لو أن وسيلة إعلامية أخرى غير تلك المتفرغة لقضايا مستهلكة منذ الأربعينيات ومن قبل فريق "سينية" يعني ماركة في الديكور من البابوج إلى الطربوش متفاعل يومياً مع المناضلين والمجاهدين دون أن يكون له حظ أو نصيب في المقاومة سوى إطلاق ذاكرة نسيها أصحابها لما فيها من ضياع وعدم مسؤولية، تصوروا لو قناة غير ممانعة أجرت حديثاً مع شخص عادي لا يترتب على كلامه أيّ أثر فما كان فعل الممانعين؟ هذا الجيش المتفرغ للتهوين والتخوين وهدر دم عدو لا يملك إمكانية واحدة لردع لسان صغير من صغار المحللين السياسيين المنتشرين بكثافة كالبعوض على سطوح البرك الراكدة.
آن للمعنيين إعادة النظر في شبكات تحالفاتهم والتي تُثبت يوماً بعد يوم أنها شبكات منافع ومصالح مباشرة وهي غير معنية بالقضايا الأساسية وهي أصلاً لم تُقدم شيئاً في هذا السبيل أو ذاك لا زمن الإحتلال ولا ما بعده ولكن للسياسة حسابات أخرى بعيدة كل البعد عن الدين والايديولوجية والمعتقدات، انها لعبة المصالح التي تجعل من كل القيم والمفاهيم عناوين طيعة في خدمة الزبائن السياسيين فيتحول البعيد إلى قريب والقريب إلى بعيد فالسياسة تطهر النجاسات وتنجس الطهارات وهذا ديدن الإسلام السياسي الذي جمع حوله بقايا اليساريين والعاطلين عن النضال وخبراء عسكريين إستراتيجيين متقاعدين لم يرموا سهماً طيلة خدمتهم وجاؤوا في أواخر العمر كيّ يغرقوا "إسرائيل" بالبصاق.
لأوّل مرة في تاريخ المقاومة نسمع أن طلائع محور الممانعة من السياسة إلى الإعلام ليست ضدّ وجود العدو ومع أمنه في ظل سكوت تام وصمت له دلالات نأمل أن لا تكون كما يُفسر الصمت عادة.