لم يكن حال الشعوب أفضل من حال الأنظمة فهي أيضاً قد ورثت مساوىء السلف ممن ناصروا فلسطين بشعارات رنّانة
 

خيراً فعل الرئيس الأميركي في تحديه الأمم والشعوب لمعرفة ما تبقى من فلسطين في صدور المؤمنين بالقضية وبالمقدسات بعد رحلة طويلة وشاقة ربح فيها اليهود وخسر فيها الفلسطينيون والعرب والمسلمون والمناصرون كل ما بذلوه لدعم حق مسلوب وإرادة كانت واهنة وضعيفة وباتت عاجزة وغير قادرة على حمل السلاح الفعلي انتصاراً لقضية ماتت عندما سقط الكفاح الفلسطيني في صراعات الأمّة وعندما تخلى العرب عن التزاماتهم لصالح الخنوع والخضوع لضرورات الحكم والسلطة ومتطلبات ذلك السكوت في مجاراة أميركا في ما تقول وفي ما تفعل.
أمس سقط وتد القدس على رؤوس الجميع دون إستثناء فتنادوا للردّ بسيول من الكلمات والخطابات والتباهي بمواقف مبلولة بماء الوجه وحاولوا أن يكونوا على أهبة الإستعداد للذود عن شرف بيع منذ زمن ولم يبق منه ما يستحق الحياة لذا قرروا أن لا يقرروا أن يبقوا كما هم دولاً بلا رصيد قوّة في مواجهة الأعداء دولاً مطيعة لسيد واحد يتحكم فيها وبها ويسيّر شؤونها بما ملك فيها من سلطة غير" ممسوسة ".

إقرأ أيضًا: السيد الأميركي والعبد العربي والإسلامي و الأوروبي والروسي
لقد خطب من خطب وصفّق من صفّق وافتخر من افتخر من موتى ومن أحياء في ثورة القدس الأخيرة وعاد إلى كرسيّ حكمه ليستريح من عناء المعركة الضروس إذ من الصعب سب من لا يُسب أو تناول من لا قدرة لك على عداوته لكن السياسة في شرقنا تتيح التصرف كيفما نشاء طالما أن لا مسؤولية في ذلك مجرد تواقيع تلحسها ألسن المصالح مباشرة بعيد إنتهاء العروض وفك جوقات الحفل المخصوص لنصرة قضايا الأمّة.
لم يكن حال الشعوب أفضل من حال الأنظمة فهي أيضاً قد ورثت مساوىء السلف ممن ناصروا فلسطين بشعارات رنّانة ما زالت أصداؤها تُسمع بين الحين و الآخر كلما هبّت رياح عابثة بالمقدسات رغم إنحسار موجات ردود الفعل الغاضبة من ترامب إلاّ أن تحرك الشوارع العربية المعتادة على نصرة فلسطين قد ملأت حيّزاً من ساحة الإعتراض حتى لا تفوتها  المناسبة دون أن تحدث أمراً من أمورها المعتادة في ضرب أميركا بالأحذية.

إقرأ أيضًا: عندما يثور الوزير تعود فلسطين
نحن أمام جموع منددة كونها ورثت مسألة التنديد هذه وهو سلاح لا يعرف أهميته إلاّ المتصيدون بالأمن والسياسة كونه يفتح أبواب كثيرة لتعزيز الأطر الأيديولوجية التي تزدهر في مواسم ترامب وغيره من المتطرفين الذين يسهمون من خلال تطرفهم السياسي في تبرير سيادة التطرف وإزدهاره في الدول العربية والإسلامية بطريقة جنونية تدفع بالإعتدال إلى آخر الصفوف لأنه لا يحاكي العنف بالسلام.
من هنا ثمّة دفع جديد نحو ظواهر الإستبداد السلطوي من جهة والتطرف الشعبوي من جهة ثانية وهذا بالضبط ما يريده ترامب إبقاء العرب والمسلمين تحت وطأة إستبداد الأنظمة وداعشية الشعوب وليس من قبيل الصدفة أن يبيع التاجر الأميركي  القدس لإسرائيل بل من دواع العلم المنظم والمستهدف للمستقبل وليس للحاضر المفقود أصلاً والضائع في وحول الصراعات والنزاعات المُدمرة والتي أتاحت للعدو فرص ثمينة جعلت منه قوّة مركزية متحكمة في أمن منطقة إذ أنه يستطيع أن يخرق أي مجال عربي وأن يضرب الأهداف التي يريدها دون أن يكون هناك من يرد أو أن يستنكر طالما أنه يتصرف وسط النار المشتعلة داخل البيت العربي وفي أحسن الأحوال تسمع المزيد من التصريحات المختصة بالردّ على إعتداء العدو في الزمان والمكان المناسبين أي في زمان غير زماننا ومكان غير مكاننا أيّ في عالم آخر غير مرئي وغير منظور.