النساء والمال. قطعتا جبن، بمثابة مصيدة الفأر التي تستخدمها إسرائيل لتجنيد العملاء، وفقا لخبراء عارفين في هذا المجال. الجميع مدعوًّ إلى حفلة العشاء. إسرائيل ترحّب بالجميع. بائع كعك، فنان، نقابي، رجل سياسة... حتى إنها قد تحوّل الفنان إلى بائع كعك، إذا كان ذلك يلتقي والأهداف التي ترسمها.
 

لا فارق في هوية العميل وقدراته. المهم ان يكون الفأر مستعدّا. ويمكن الاستفادة من أي معلومة بسيطة يقدمها، ايا تكن. في النهاية، تحسب على أنها معلومة مفيدة، كمعرفة الطعام المفضّل لدى شخصية مهددة بالاغتيال، على سبيل المثال. ويمكن ايضا استخدام "دمية خاصة به"، في الاستراتيجية التي تطبخ لتنفيذ المآرب. خبراء في الشؤون الاسرائيلية يعرفون هذه التفاصيل، وغيرها ايضا، ويكشفونها في حديث الى "النهار". عمر العمالة لاسرائيل من عمرها. 70 عاما، على قول احدهم.  

اختيار العملاء

الجبنة جاهزة. أولا أحضروا للعميل امرأة لا يقاومها. هنا يبدأ بلعب الدور. وكلٌّ يلعب في ملعبه. اذا كان فنانا، هذا يعني أنه قادرٌ على الترويج للتطبيع من خلال فنه. واذا كانت لديه علاقات وثيابه انيقة، فقد يصل الى اي كان. العميل جاهز. رشّوه بالقليل من العملة، واسألوه اي شيء. في عملية اختيار العملاء كفئران حقول تجارب، مراحل عديدة من الاختبارات، قبل اتباع آلية تنفيذية.

ويعتبر الخبير في الشؤون الاقليمية الدكتور ميشال نوفل أن الوسيلة ليست أساساً في عمل الموساد، بل الشخص. ويقول لـ"النهار" إن "اكتشاف نقاط ضعف الأشخاص كفيلة في معرفة ما إذا كانوا قابلين للعمل لصالح الموساد من عدمه".

وتتمثل نقاط الضعف التي تغري العملاء عادةً بالمال والنساء، كما يقول نوفل. هذا فضلاً عن الأسباب الشخصية التي تعتري الشخص نفسه والتي تتمثل بعدم القدرة على التأقلم مع وقائع سياسية مستجدة في البلد وعدم امكان تحمل الغلبة السياسية وادارة السلطة من قبل محورٍ فائز على آخر. وهو ما قد يدفعه إلى التعامل مع العدو (الشيطان) مقابل مساعدته على التخلّص منه. ويحصل ذلك خصوصاً في حال اكتشف العميل ان تغيير ميزان القوى لا يميل لمصلحة البيئة التي ينتمي إليها أو التي يؤيدها.

توريط العميل 

يشرح العميد الركن الدكتور هشام جابر الأساليب التي تتبعها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لتوريط العملاء وتجنيدهم في صفوفها. ويقول لـ"النهار"إن "تجنيد العملاء في لبنان عمره 70 سنة، وكل عميل يختار لمهمة معينة بناء لموقعه وما يستطيع أن يقدمه. ولكل عميل سعره. وتختار إسرائيل كل من هو مستعد إلى الانزلاق إلى درجة العميل، أكان عسكرياً أم مدنياً، حزبياً أم نقابياً أم فناناً".

ويعطي مثالاً على ذلك، الطيار العراقي منير روفا الذي خضع في الستينيات لدورة عسكرية في الولايات المتحدة الأميركية. "طائفياً ينتمي روفا إلى الأقلية الكلدانية"، يروي جابر، مضيفاً: "تقرّبوا منه وقالوا ان منظمة تابعة للأمم المتحدة يهمها جمع معلومات اقتصادية عن العراق بهدف التنمية. عرضوا عليه مبلغاً مادياً مقابل تزويدهم بمعلومات. ومن ثم طلبوا منه دراسة عن التمور التي ما لبث أن تطورت دراسة عن النفط في العراق. ومن ثم عادوا وطلبوا منه دراسة عن القواعد العسكرية العراقية. عندها توجّس روفا، قبل ان يكشفوا له ويصارحوه أن التقارير التي يعدها كانت تذهب مباشرةً إلى الموساد".

التركيز على النساء

"العامل الجنسي مهم لدى البشر، وهو ممكن أن يشكل عامل ضعف في التركيبة الذهنية لدى الشخص. العرب يمكن اصابتهم في المنحى المتعلق بالنساء"، يشرح نوفل مضيفاً أن "المرأة لديها سحر كونها عنصراً جمالياً، وإذا كانت امرأة ذكية، في ظل عدم الوعي السياسي للفرد وعدم القدرة على فهم الأساليب المعقدة التي يستخدمها العدو، يمكن للبعض أن ينساق".

لماذا عيتاني؟

وعن الأسباب التي أغرت الإسرائيليين لتجنيد زياد عيتاني عميلاً على وجه التحديد، يقول نوفل إنه "يمكن تقصد انتقائه شخصياً بسبب موقعه المسرحي ومحيطه الخاص وبيئته الاجتماعية التي يتحرك ضمنها، كما يلعب معيار الطائفة التي ينتمي إليها العميل دوراً في هذا الصدد. إنه شخصية مقبولة مجتمعياً، وباستطاعته الدخول إلى أماكن محددة يقصدها الزعماء لا يستطيع آخرون الدخول اليها كونه فناناً مسرحياً معروفاً".

تعمل أجهزة الاستخبارات بأساليب معقدة جداً، وفق نوفل الذي يؤكد أنها يمكن أن تجافي المنطق العادي. فيما مصلحة الطرف المجند تكمن في تخريب الأوضاع الأمنية في البلاد، وخلق أجواء معادية لطرفٍ أساسي مستهدف. فيما استهداف شخص وزير الداخلية نهاد المشنوق يأتي من كونه بمثابة جسر ايجابي في العلاقة القائمة مع "حزب الله"، فيطلب التخلص منه لأنه يؤمن نوعاً من الأجواء الايجابية تجاه الحزب والتي لها انعكاساتها ايجاباً على الوضع الداخلي اللبناني.

كيف كشفت العملية؟

"من المحتمل أن أحداً على صلة وثيقة بعيتاني كان قد وشى به"، يجيب جابر. ويقول إنه "لم يكن ليكشف لولا ورود عبارات معينة يستخدمها في تواصله مع الإسرائيليين ما دفع أجهزة المراقبة إلى ترصده".

وعن إجراء عيتاني مكالمات هاتفية مع الداخل الإسرائيلي يقول جابر إن "الإسرائيليين ليسوا في وارد الوقوع في هذا الخطأ، بل إنهم قد يتواصلون مع العميل بواسطة أرقام غريبة. وقد يتلاعبون في الخطوط فيكلمونه من داخل إسرائيل، رغم أن رمز الرقم الذي يعتمودنه قد يمثل دولةً أخرى".

وعن توقيت العملية النوعية التي وصفت بالإنجاز الذي حققته القوى الأمنية اللبنانية، يقول جابر إن "السرعة في القبض عليه أتت في إطار عملية نوعية تحسباً لإمكان إفلاته من قبضة الدولة في حال الانتظار حتى قدوم الامرأة الإسرائيلية التي تعامل معها إلى لبنان. اذ قيل إنها كانت لتأتي".

تتعدد الأسباب والعمالة واحدة. وتتنوع منكهات أقراص الجبن والمصيدة واحدة. ولا شكّ في أن صاحب مختبر حقول التجارب لا يبالي بمصير الفئران. ولا يأبه لمصيرها. انه فقط يبحث عن نتيجة ناجحة لتركيبة السم.