"احتمال الخرق وارد لدى الأقليات. مقعد الأقليات في دائرة بيروت الأولى وبعض المقاعد الكاثوليكية والدرزية قد يكون عرضة للخرق". بهذه العبارة يلخّص باحثون انتخابيون سبب ارتفاع عدد المرشحين عن بعض المقاعد رغم قلّة الناخبين.

وفي المشهدية العامة، لم يعرف لبنان اقبالاً على الترشح للانتخابات النيابية كما هو الحال اليوم. اذ ترشح 967 شخصاً بينهم 111 امرأة. ويقول الباحثون ان نسبة المرشحين للمقعد الواحد هي الأعلى في لبنان. ويتوقع تقلّص عدد المرشحين الفعليين الى النصف بسبب عدم قدرتهم على الانضواء في لوائح، أو نتيجة حسم اختيار الأحزاب السياسية لمرشحيها، بعدما أقدم بعضها على ترشيح أكثر من شخصية عن المقعد الواحد.

الوصول الى البرلمان ليس سهلاً، لكن الجميع يستشعر قدرته على الفوز، والا لما ترشح. 111 مرشحة، رقمٌ مميز، يبعث الأمل المختلج في قلوب الطامحات الى الندوة البرلمانية.

واذا قارب عدد المرشحين الألف، فان اضافة أسماء الذين أعربوا عن نيتهم الترشح قد يضاعف الرقم. وكأن الانتخابات تحولت موضة لبنانية. والمشاركة الشعبية ـ رغم أنها موضة ـ تبقى أساساً في التنمية البشرية، والترشح يقاس ايجابا وليس سلبا.

يقول المفكر بول شاول إن "الاقبال على الترشح سببه التفكك، في ظل غياب الأفكار والايديولوجيات والمشاريع. وقد ولّدت الطوائف نرجسية جماعية انطوائية، عقب تفكك الأحزاب اليمينية واليسارية واستبدالها بالطائفية، ما أدى الى الانتقال الى النرجسية الفردية بدل النرجسية الجماعية. كلّ شخص يعتبر نفسه قادراً على المنافسة في غياب المشروع. الجميع يتنافس على الفراغ، ونحن نعيش في زمن ما بعد الأحزاب الايديولوجية وما بعد العائلات، بما يؤدي الى فوضة الأنا المشهور فيها المواطن اللبناني".

لطالما بدت الأحزاب "صمّام أمام في لبنان عندما كانت متنوعة. حلّ الصراع الطائفي مكان الصراع السياسي وسيطر مرض الإلغاء. نحن نعيش تحولا من الأحزاب الفقهية الى زمن الغرائز. الغريزة الفردية التي لا يسندها أي نظام فكري أو عقلاني لفهم معنى البرلمان أو الترشح"، وفق شاول.

لكن التفكك الطائفي والعائلي والقبلي علامات جيدة "اذا تظهّرت في المستقبل مفاهيم جديدة للمجتمع خارج اطر المذهبية المعتبرة وحدات توتاليتارية. على أمل أن تستوعب الأفكار الطفرات الفردية الفارغة".

في رأيه أن "النساء يشعرن بأنهن جزء من هذا العالم. تعبير عن وجودية. يتحررن من أزواجهن وعبوديتهن. انها لحظة مهمة اذا عرفنا كيف نتلقاها ونستوعبها فنحول الظواهر السلبية الى دينامية اجتماعية وسياسية".

8 للمقعد الواحد

بلغت نسبة المرشحين 8 للمقعد الواحد، وهو المعدّل الأعلى في تاريخ الانتخابات اللبنانية. ويتوقع أن تتقلص للمقعد الواحد الى 4 مرشحين. وبلغت النسبة أقل من مرشحين اثنين عن المقعد الواحد في انتخابات 2009 في ظل اعتماد قانون انتخاب وفق النظام الأكثري.

 

ويشير الخبير الانتخابي عبده سعد لـ"النهار" الى أن سبب ارتفاع النسبة هو اختيار قانون انتخاب وفق نظام الاقتراع النسبي. وهذا ما حفّز المرشحين على الإقدام لأملهم بالفوز. وينعكس هذا الجو على الناخبين أيضاً، اذ يتوقع أن يشهد يوم الأحد 6 أيار المقبل اقبالاً على الاقتراع، ربما الأعلى في تاريخ لبنان.

لكن القانون الأسهل لتأمين فوز المستقلين في لبنان، في رأيه، هو الدائرة الواحدة. ويساهم ـ اذا اعتمد مستقبلا ـ في زيادة عدد المرشحين، مع تضاعف احتمالات فوز المستقلين، على عكس القانون الحالي، اذ صعبت التقسيمات الانتخابية امكان فوزهم.

ومن الأمثلة على ذلك، الوضع في دائرتي الجنوب الثانية والثالثة. اذ يبلغ الحاصل الانتخابي ما يقارب 22 ألف صوتٍ للمقعد الواحد، وهو ما يصعب المهمة على المستقلين في امكان الخرق، باستثناء دائرة حاصبيا ـ مرجعيون.

ويخفّض اعتماد قانون الدائرة الواحدة الحاصل الانتخابي الى حدود 15 ألف صوت. ويقارن سعد النتائج، قائلاً ان "في لبنان أقليات سياسية تؤيد نهج الحزب الشيوعي على سبيل المثال. اعتماد قانون الدائرة الواحدة يؤمن قرابة 12 نائبا يشكلون تمثيلاً سياسياً جديداً في البرلمان. ومن الصعب في ظل القانون الحالي تجديد التمثيل السياسي رغم التجديد في هوية بعض الفائزين".

 

الخرق

يبقى امكان الخرق قائماً في ظل القانون الحالي، خصوصاً على مستوى الأقليات. ويقول سعد ان "الخرق ممكن في بعض مقاعد الانجيليين والكاثوليك والدروز"، بما يفسّر ارتفاع عدد المرشحين في بعض الدوائر أو الأقضية ولدى بعض الطوائف فقط.

ومن الأمثلة، يورد "ارتفاع عدد المرشحين الدروز في دائرة بيروت الثانية نتيجة ارتفاع حظوظ المرشح الدرزي على لائحة الثنائي الشيعي، رغم قدرة مرشح لائحة الحريري على نيل عدد أكبر من الأصوات. ولكن ضآلة احتمال خرق المرشحين السنة على اللائحة، قد يضاعف احتمال الخرق في المقعد الدرزي. وهذا ما يبرر كثرة الترشيحات عن المقعد الدرزي في بيروت الثانية حيث عدد المرشحين للمقعد الواحد يفوق عدد المرشحين للمقعد السني الواحد (6 مقاعد سنية ومقعد درزي واحد)".