بعيداً من العواطف وبهدوءٍ تام. ماذا يعني أن يطال تخفيض الحكومة موازنة 2018 ميزانية وزارة الشؤون الاجتماعية؟ الإجابة تختصر في جملة واحدة: "من بين كلّ 10 ايتام ولَدَين رح يناموا عالطريق". واذا أردنا أن نختصر الإجابة في جملتين، نضيف الآتي: "من كلّ صحن ختيار طعميني ملعقتين". واذا استرسلنا في وصف الواقع، تأتي الجملة الثالثة كالآتي: "من بين كلّ 10 أشخاص من ذوي الحاجات الخاصة 2 رح يمشوا زحف". والخلاصة، وسمٌ أطلق عبر مواقع التواصل الاجتماعي: "الأمن الاجتماعي في خطر". ومن جهته، اعتبر وزير الشؤون الاجتماعية بيار بو عاصي أن "الأمن الاجتماعي اللبناني فوق كلّ اعتبار". 

واذا أردنا استبدال الأمثلة الثلاثة، بمثالٍ حيّ من أرض الواقع، ننقل ما كتبته السيدة ريما فرنجية عبر "تويتر": "مركز الشمال للتوحد هو حاجة ملحّة في الشمال لـ 80 طالباً الذين يستقبلهم والـ 450 الآخرين على لائحة الانتظار، بسبب عدم قدرة المركز على استيعابهم. المركز والأولاد الذين يحتضنهم بحاجة ماسة، كما كلّ الجمعيات، لإقرار الدعم اللازم كي لا يهدّد العمل الإنساني ويكون الأمن الاجتماعي في خطر".

وتنضم وزارة الشؤون الاجتماعية الى مدوّنة طرح الأمثلة. وتتساءل مصادرها عبر "النهار": "هل ندخل 40 ولداً الميتم بدلاً من 50"؟ وتقول المصادر نفسها إن "ما يحصل يتهدد الاستقرار الاجتماعي في لبنان". ذلك أن المؤسسات الاجتماعية هي "الجهاز التنفيذي المواكب جميع أصحاب الحاجات الخاصة". والمضحك المبكي، أن مستوى التعرفة يصرف اليوم على أساس سنة 2011. وتؤكّد المصادر في هذا الإطار، أن "بو عاصي عمل جاهداً من خلال مجلس الوزراء لزيادة التعرفة التي لا تزال على مستوى سنة 2011 لتتحول الى مستوى التعرفة لسنة 2012، لكنه لم يلقَ أي تجاوب. نحن في سنة 2018 ولا تزال التعرفة تصرف على اساس سنة 2011".

ومن وجهة نظر اقتصادية، يقول الخبير الاقتصادي كمال حمدان لـ "النهار" إن "السلطة تستهدف الضعفاء والوزارات التي لها أهمية هامشية نسبياً في منطق النظام السياسي القائم، وهذا ما يزيد معدلات الفقر والتفاوت الاجتماعي. ولو كانوا قادرين ان يعمّقوا الأزمة الاجتماعية لفعلوا من خلال رفع الفائدة على القيمة المضافة. وهي عملية سهلة بكبسة زر على الكمبيوتر. ولكننا اليوم عشية انتخابات نيابية، وسيادة الخطاب الشعبوي لدى التشكيلات السياسية الحاكمة تمنع ذلك".

والمؤسف في ما يجري ان "الجمعيات حيّة ولا غبار عليها" وفق ما تؤكده مصادر الشؤون الاجتماعية، معتبرةً أنها "تغطي شريحة واسعة في لبنان". التصعيد خيارٌ مطروح. والمؤسسات تهدد بالاقفال والتظاهر. وتؤكّد مصادر الوزارة أنها "تقف الى جانب المؤسسات في معركتها لأنها تقوم بدورٍ كبير ومحترف. الوضع انساني ونسعى الى عدم التعرّض الى ميزانية الجمعيات".

ويبقى السؤال عن كيفية تخفيض الموازنة من دون التعرّض الى ميزانية وزارة الشؤون الاجتماعية؟ يجيب حمدان أن "بنية الأجور في القطاع العام أضحت بحاجة الى اعادة نظر وتقييم مروحة الفوارق بين الأجر الأدنى والأجر الأعلى في القطاع العام والتي تبلغ 40 الى 50 مرة. وهذا ما ليس قائماً في أي مكان في العالم. ذلك ان رواتب بعض فئات السلك المدني والعسكري ومديري المؤسسات العامة خيالية. البلد مفلس. ويمكن اتباع الاصلاحات من خلال وضع سقوف وضوابط. ولا يمكن تقبل هذا الواقع في بلد بات في حالة إفلاس فعلي غير معلن".

ويرتبط الإنفاق العام بثلاثة ملفات هي توالياً: "تكاليف الأجور وخدمة الدين العام وتغطية العجز في حسابات كهرباء لبنان. وتشكّل هذه البنود الثلاثة قرابة 80% من الإنفاق العام في كليّته. ولا يمكن تخفيضها الا من خلال إصلاحات. لكن ما يضعف الحافز للإسراع بايجاد حلول علمية منطقية "مصالح حقيقية مخفية يستفيد منها جزء من أصحاب السلطة".

 

ويشير حمدان الى أن "الحديث عن تخفيض الانفاق من دون إصلاحات كلام في الهواء والغرض منه سياسي. والحكومة مضطرة الى التحرّك لأننا ذاهبون الى مؤتمرات لتحصيل قروض. والمقرض يتأكد من كل دولار يعطيه وبأن وضع البلد سليم ليضمن استرداد قروضه". وفي رأيه أن "الطبقة السياسية تهرب من الحديث عن ضرورة خفض الموازنة أو الإنفاق، لأنها عاجزة وربما غير قادرة وغير راغبة في الاصلاح".

وفي الخلاصة، يقول حمدان إننا "نحتاج الى ضوابط في المالية العامة لأننا على شفير سيناريو كارثي. وكل مؤشرات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وميزان الدفوعات والميزان التجاري والحساب الاولي، تشي بذلك. كذلك بالنسبة إلى ضخامة الديون المفروض علينا تسديدها عاماً بعد عام وانخفاض قدرة الدولة على تحملها. وانعكاس كل ذلك يستهدف انخفاض معدلات النمو مما يفاقم العجز الذي قد يزيد في ميزانية 2018 عن 12% من الناتج المحلي، وهذا غير مسبوق. هذا الأمر يؤكد حاجتنا الى ضوابط من خلال الإصلاحات واعادة الاعتبار للانفاق الرأسمالي وليس من طريق تخفيض دعم الفقير.

ويختم: "لبنان يحتل ثالث مرتبة في العالم من حيث شدة تركّز دخل الثروة فيه. إذ إن 1% من البالغين يملكون 25% من الناتج المحلي الاجمالي و10% من البالغين يملكون 55% منه. هذا نظام لا يدوم بل "سيفرقع". كالبالون الذي كلّما تضاعف حجمه اضحى أكثر عرضةً للانفجار. الكل وجد نفسه مضطراً للاستمرار في سياسات وضعت في بداية التسعينات. ونحن لا نصدر الى الخارج سوى أولادنا".