خذوا راحتكم إخطبوا وقولوا ما شئتم فوالله سيعيد هذا الشعب إنتخابكم وسيحملكم على ظهره وهو مبسوط بما حمل
 

أفرغوا ما في أجوافهم وتقيؤا ما حفظوا من خطب نارية وشكوا واشتكوا على الحكم وعلى الحكومة وحاسبوا واحتسبوا حسبتهم جيداً فنوّاب الأمّة فخر عزتها ومصدر رزقها وعيشها الكريم ومحل كرامتها وتكئة سندها في الشدّة وأيّام المحنة. 
لا أحد ينكر على أحد منهم فصاحته وصريح ما يقول وما يشتكي منه فالجماعة النيابية امتهنت حرفة الخطابة ولم تعد حكرًا على البعض منهم فجميعهم في بحبوحة من الصوت المركز ويتمتع ببحة جميلة تساعده على الحزن ساعة يريد الحزن لإثارة عين مشاهد فتكرج الدمعة من بين أجفانها لوعة على ما سمعت من نائب أنيّن جرّح الألم حنجرته فبكى وأبكى وغادر مسرعًا وقد تأبّطت ملفات معدّة سلفًا من قبل مساعديه لإيهام ناخبيه بأنه متفرغ لمتابعات الناس الذين يمثلهم في مجلس الشعب.

إقرأ أيضًا: الطقس السياسي غائم عند المستقبل ممطر عند حزب الله

إنهم كحفظة القرآن وكقرّاء العزاء يحفظون جيدًا ويُسمعون جيدًا دروس شيوخهم لذا أبدعوا في مواد الحفظ وباتت ألسنتهم تلوك كل شيء ولا يصعب عليها حرفًا من أحرف لغة الضاد لذا يفتخر بهم اللبنانيون ولا يقارنونهم بنوّاب الغرب والشرق سمتًا ودسامة ووسامة وبشاشة ما شاء الله عنهم إنهم الخيرة من البرية ألواح كألواح الصحف والدُسر وما كتب عليها الأنبياء أبقاهم الله لنا ورحم الله القادة الذين تعبوا كثيرًا حتى فصلوا لنا هذه المقاسات النيابية لنخبة نادرة غير متوفرة في أي ندوة برلمانية دولية ولا في أيّ محفل من محافل التشريع فكلهم من أهل الإختصاص روّاد قوانين تتطلع إليهم الدساتير ليزودها بأعمالهم القانونية العجيبة فيُدهشون العالم بعقول خصّنا بها الله وحدنا وأنعم الله علينا بها فأخذنا مكان اليونان وأصبح لبنان يوناني الفلسفة الجديدة فالنخبة كل النخبة حصرها الله في بقعة واحدة إختيارًا منه لها كيّ ننعم بما ننعم به من نعيم لا يزول .
وماذا بعد الخطابة الرنانة ؟ لا شيء وهنا الخطابة في القوانين كالخطابة في السياسة مجرد نبرة عالية لا أقل ولا أكثر ومجرد ضجيج لا يتيح إلاّ مكانًا للصخب والضجر من الحياة فتلاقي الموت على أيديهم فرصة للتخلص من مقتك وفقرك وقلّة حيلتك وحدهم زبائن الخدمة الكلامية في راحة تامة يكفيهم من الخبز ما يقوله نائبهم ويستمعون جيداً له وأكثر ما تشدهم المشاحنات اللفظية بين النوّاب والردود عليها ويتعصبون من خلف الشاشة لجماعتهم النيابية بحدية مقاتل على جبهات العدو.

إقرأ أيضًا: هكذا يتصرف المنتصر وهكذا يسكت المنهزم
حبذا لو تبقى جلسات المجلس النيابي مفتوحة طوال السنة لما شعر اللبنانيون بجوعهم و عطشهم واكتفوا بملح ما سمعوا من السادة النوّاب وجعلوا منه مادة حلوة لمرارتهم وتعاستهم وبهذا يتخلصون من بطالتهم فيصبح لجلوسهم الفارغ معنى بحيث أنهم يستمعون إلى من يعطيهم ألف سبب لمشاكلهم فيزيلون عنهم ما لبسوا من خشن بعد أن حرر لهم حرير الكلام التباساتهم المتعددة في السياسة والاقتصاد.
يشعر اللبنانيون بلذة خاصة وهم يتابعون عن كثب جلسات مجلسهم فيزيلون عن كواهلهم أعباء ما حملوا ويرتاحون ويتمددون في فناء بيوتهم وسياراتهم وفي مكاتبهم وشوارعهم وتقف ساعات العمل عند المشاكسات المفتعلة والتي تتم بين الكتل النيابية وخاصة بين المتناقضين في الشكل لا في المضمون الذين يثيرون شعارات تهز المواطنين هزًّا كزلزال كبير من قبيل سلاح حزب الله والقتال في سورية والعراق واليمن وحيث يجب والغبن الطائفي والشعور بغلبة طائفة على طائفة حيث يلعب المتخصصون في هذا الملعب أدوارًا جيدة ويحققون أهدافًا مباشرة في مرمى المتعصبين الذين يقومون بالسب والشتم والتهديد من خلف الملعب وينتظرون يومًا موعودًا لتحويل شتائمهم إلى سلاح داعشي يفتكون به عدوهم وعدو الطائفة.
خذوا راحتكم إخطبوا وقولوا ما شئتم فوالله سيعيد هذا الشعب إنتخابكم وسيحملكم على ظهره وهو مبسوط بما حمل ويحمل تمامًا كما هو حال المخلوقات التي تأنس بأحمالها لشعورها بجميل وظيفتها في الحياة.