فجأة بدأت الحرب في سورية تنفرج ميدانياً لصالح النظام وكشف هشاشة الميدان فمن مع النظام يمشي رافعاً راية النصر دون مواجهة تُذكر في دير الزور بعد أن حاكوا تفاهمات محلية مع قوى مسيطرة على الزواريب الدمشقية وأقاموا تسويات انتصروا بموجبها من القصير الى الجرود و بعد أن تبادلوا مدناً وقرى كانت محاصرة انتظاراً لهذه اللحظة الطائفية السعيدة أو التعيسة.
ماحصل في الجرود وفي دير الزور بسرعة البرق أكدّ استعداد الجميع لتنفيذ أوامر القوى الدولية المتفاهمة حتى الآن على نهاية دولة "داعش" وتقاسم نفوذ الميدان لرسم خارطة قوى غير محلية أي غير سورية بين كل من روسيا وإيران وتركيا شركاء محادثات الآستانة مع ترك حصة كردية بموجب الرغبة الأمريكية كيّ يكون للأكراد نصيباً كبيراً في مستقبل سورية السياسي.

إقرأ أيضًا: من يهدّد أمن لبنان؟

هذا التوزيع لنفوذ القوى الاقليمية في سورية يقوي من محادثات الآستانة بإعتبار أن الراعين للتسوية بين السوريين يمسكون بالقرار وليسوا مجرد حلفاء للنظام أو للمعارضة ولا حول ولا قوّة لهم كما كانوا قبل الضوء الأميركي الأخضر والذي حشر الجميع وجعلهم يُسرعون للتخلص من تنظيم دولة الخلافة كل بحسب علاقته ودوره مع "داعش"، وهذا ما كرّس تفاهماً غير نهائي بين الأمريكي المخطط والروسي المنفذ والذي أفضى الى حصر المسؤولية بروسيا عن النظام وإيران وبتركيا عن المعارضة السورية غير الكردية وامكانية الدولتين في إيجاد مخارج للأزمة السورية مُلزمة لمن ينضوي تحت المسؤولية الروسية والتركية وإلاّ ستضيع فرص التسوية وتبقى جميع هذه الأطراف مُستنزفة ولا طاقة لها على إيجاد حل.
لقد تمّ إعطاء الأراضي التي سيطر عليها تنظم داعش للنظام وللأكراد وتم استثناء المعارضة السورية عن هذه الجغرافية وهذا ما فتح خط النار بين الطرفين اذا ما تمّ الإخلال بالتفاهم الذي اشترطته الولايات المتحدة واذا ما تمكن الروسي من فرض المعادلة التي التزم بها مع الأمريكيين وقامت الحرب بين النظام وبين الكُرد ولم يقم التعاون المطلوب بينهما كشركاء فعليين في قرار المصير السياسي كما هم أمناء على الميدان الذي منح لهما لتقوية حضورهما في المشهد السياسي.

إقرأ أيضًا: المقاومة ومقبرة كفرمان
تشعر إيران وعلى ضوء المنجز أميركياً وروسياً بحالة معنوية كبيرة باعتبارأنها وحدها الواقفة على الأرض وفي الميدان وأن الإنتصار لم يكلفها خسائراً فهي تمشي دون مقاومة تُذكر وتضع رجليها في حقول النفط مصدر الثروة السورية ومحط التعويض عن خسائرها المالية في سورية وبحالة كبيرة من جرعات الفوز على خصمها الوحيد في المنطقة والمتراجع الى حد الإنكفاء التام عن مشروع مواجهة إيران وهو المملكة العربية السعودية التي خسرت نفوذها وتأثيرها المباشر في سورية وباتت خارج السباق والحلبة وهذا وحده بالنسة لإيران كاف دون المزيد من المكاسب الأخرى.
لقد أعاد الروس الأمور في سورية الى مستويات متفاهم عليها مع الدول المعنية بوضع الجميع تحت سقف النظام لعدم رغبة أميركا وربيبتها في هدم النظام أي في إبقاء إطار الدولة على ما هو عليه وتغيير جوهر السلطة من قائد الى الأبد الى شريك في السياسة التي ستتسع للجميع من سُنة موالين لتركيا وأكراد تريد أميركا تحسين شروط دورهم في مستقبل سورية بما يتجاوز حدود حجمهم الديمغرافي كمكون أقلوي واذا ما خالف الأسد ذلك بإيعاز من إيران المتضررة من أي تسوية لا تعيد القائد الى أبديته فإن أميركا ستطرحه على طاولة المزاد الدولي وعندئذ لن يجد الروسي من يشتري الأسد وهذا ما سيحشر روسيا المتعهدة بإلزام النظام والشركاء دون أن يكون لهم الخيرة من أمرهم.