امتعاض الناشطين على مواقع التواصل يحيلنا للسؤال عن المغزى الفقهي لما أعلنه خضرة.
 

"الكلام والمقصود والحقيقة والواقع كلّها امور واضحة لمن اراد، اما الذي له موقف حاقد من الدين وشريعة الاسلام، فهذا لا يستسيغ مثل هذا الكلام، فيستعين بالتحامل والمبالغة والاستهزاء والافتراء والاساليب التي اعتدناها وخبرناها وانتظرناها".

عبارة وجدها السيد سامي خضرة "كافية ووافية" للرد على حملة الانتقادات الواسعة التي شنت عليه نتيجة تصريحٍ يطلب فيه من المرأة الاستعاضة عن وضع صورة شخصية لها على مواقع التواصل الاجتماعي، بصورة آيةٍ قرآنية او حديث شريف او شجرة او طفل.

وفي التفاصيل، انتقد خضرة لجوء الفتاة الى "اجراء جلسات تصويرية تختار خلالها الصورة الأجمل والاكثر اغراءً لتضعها، بما يؤدي الى استمالة الشباب الذين يعمدون الى التعبير عن اعجابهم بـ"لايك" ومحاولة التقرب منها". وتساءل: "هل في سلوكيات كهذه تقرّبٌ من الله؟".

موقف خضرة لاقى استهجاناً عند عدد كبير من الناشطين الذي أطلقوا "هاشتاغات" ونشروا صوراً تحمل تعليقات متندرة على ما أدلى به خضرة، لاسيّما ان منهم من ربط بين الموقف المذكور والتركيز على هذا الشق "التوجيهي" من الدين واهمال امور اساسية كالبطالة والفقر والفساد والفتن والحروب، وكأن الهمّ بات منصبّا على صورة المرأة على فايسبوك وكأنها تجلب الكوارث على المجتمع!

امتعاض الناشطين على مواقع التواصل يحيلنا للسؤال عن المغزى الفقهي لما أعلنه خضرة.


وللوقوف عند انطباعات رجال الدين الفقهاء ومقاربة خضرة التي حصدت ما يقارب الأربعة آلاف تفاعلٍ، ايجابيا كان ام سلبيا، على موقع "فايسبوك" ضمن خانة الاعجاب او التعليق او المشاركة، تسأل "النهار" الاستاذ الحوزوي والجامعي جعفر محمد حسين فضل الله رأيه. فيؤكد ضرورة التفريق بين النظرية والممارسة. بالنسبة الى النظرية لا بد من التمييز بين مفاهيم عديدة وتعريفها بوضوح: الجمال والاغراء والاثارة الجنسية. فالجمال، وفق فضل الله، هو عنصر طبيعي تجسده صورة مريحة للنظر. وليس بالضرورة ان يستتبع الجمال بالاثارة، التي يُحتكم اليها بمسارٍ معين يشمل النظرة والنبرة الكلامية والحركة واللفتة، وخصوصاً ان العنصر الجمالي طاغٍ لدى المرأة اكثر منه لدى الرجل، نظراً الى اختلاف المؤثرات في الاثارة الجنسية. وفي حال لم يفرَّق بين المفاهيم الثلاثة، يقول فضل الله، ان الخطاب الديني المرتبط بالمرأة في الحيز العام يعاني عندها التباسات في كيفية التعبير عن القضايا التي قد يتناولها المستمع بصورةٍ مغايرة.

وانتقالاً الى شقّ الممارسة، يشدد فضل الله على "اننا دخلنا في الحيز الذي له علاقة بالنيات، والذي لا بد من مقاربته بالكثير من الحذر، لأننا لا نستطيع تحليل نية الانسان ونظرته الشخصية الى القضايا". ومن الأمثلة المستطردة، يقول: "اختيار صورة برمزية معينة والاحتكام الى طريقة تعبير خاطئة رغم النية الصافية للمستخدم". من هنا يؤكد أن "لا امكان للحكم على النيات والسير تالياً في الاتجاه السلبي الخاطئ".

وفي الخلاصة وفق فضل الله، من الضروري توضيح معايير طريقة ابراز الهوية والصورة في الحيز العام، ومنه الحيز الافتراضي لدى المرأة. ولا بد من التوجه الى الذكور بكيفية التعامل مع هذا الموضوع.

كشف الوجه

يشدد فضل الله على ان كشف وجه المرأة المحجبة مباح في الاسلام (لا يتوجب عليها ان تستر وجهها)، وتالياً لا شيء يحتم عليها عدم الظهور على فايسبوك، الذي يعتبر جزءاً من الحيز العام. وفي رسالة يوجهها الى الشباب، يقول: "لا بد من مقاربة الامور بمنهجية علمية لما له علاقة بالنظرية. ولا يجوز مقاربة المسألة من ناحية الاثارة. عندها كل ما هو مريح للنظر يتحول الى مثير للغرائز. والأهم، ان يتثقف الرجل كما تتثقف المرأة في طريقة التعامل مع الحيز العام لاننا في زمن عدم الخصوصية. الممارسة ليست منسجمة مع النظرية ولا بد من توعية الناس"، وهو ما يعني أن المشكلة لا تختصر في المرأة، ولكن اما "بطريقة ردة فعل الرجل تجاه صور المرأة وأما بطريقة ابرازه لصورته الخاصة".

خليفة

وفي مقاربة ثانية، يستخلص المدير العام السابق للأوقاف الاسلامية الشيخ هشام خليفة ان "المجتمع يطلب من المرأة ان تميل لما يستر انوثتها، ولا يميل الى العري والتكشف". ويقول لـ"النهار" ان "الاسلام حدد ما يسمى عورة لا بد ان تسترها المرأة، وما هي الا اجزاء في جسدها، فيما لم يدعُ الى ستر الوجه". وبصورة حاسمة يؤكد ان "وجه المرأة في الاسلام ليس بعورة، وهي تستطيع ان تخرج بوجهها امام المجتمع". ولكن، ان عدم وضع ما يثير جمالية المرأة من باب لفت النظر هو المسألة موضوع النقاش. فوضع الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، وفق خليفة، "في حال كانت صورة عادية وليس فيها اي تلاعب، او تزوير لحقيقة الوجه الاصلي ليس محرماً. في حين ان حرمة وضع الصورة تبرز عندما تكون هذه الصورة غير حقيقية او أضيف اليها من الالوان والتجميل ما يخالف الحقيقة او ما يثير الرغبة والشهوة لدى بعض الرجال الذين يتأثرون بها، أكان في لبنان أم في بعض المجتمعات المغلقة". من هنا يشدد على ضرورة مراعاة المحاذير: "ان ارتأت الفتاة ان لا تضع صورتها فقد يكون ذلك افضل للستر لها وعليها. اذ نسمع اليوم عن امكان استفادة الآخرين من محتوى الصفحة، بما يؤدي الى اشكالات اجتماعية وعائلية. الجمال بذاته لافت للنظر، ونحن نتكلم على مشاعر فطرية. الصورة الجميلة تثير الرجل فيميل اليها". ولكن في حال صادفها وجها لوجه ستلفت نظره ايضاً؟ "صحيح، لذلك نقول ان وجه المرأة ليس بعورة، ولكن في حال اللجوء الى خيارات تضعها في اطار الحرمة نفضل عدم نشرها، إذا تجملت او عبّرت في حركات وجهها او اختارت الوان مثيرة كالاحمر، فالأولى ان تمتنع المرأة عن نشر الصورة، خصوصاً إذا كان جمالها لافتا". ويضيف: "نفضل ألا تضع الصورة، بل تختار صورة تعبيرية مع ابقاء الاسم او استبداله باسم معدّل تفادياً للقنص او سرقة الحساب".

من الواضح ان موقف خليفة يقترب نوعاً ما من موقف خضرة، في حين يجد فضل الله ان مواقع التواصل جزء من الحيز العام الذي لا يمنع على المرأة ان تكشف وجهها فيه، والأعمال دائماً بالنيات.

 وبمعزل عن المقاربتين الدينيتين الاسلاميتين اللتين عبّر عنهما كل من خليفة وفضل الله، تبقى حقيقة رفض فئة واسعة النقاش في موضوع يستهلك جهداً ذهنياً من الأجدر صبّه في تطوير المجتمعات، بدلاً من الهائها بصور المرأة.