لا الزمن ذاته ولا الأشخاص هم الأشخاص لنقارب بين زمنيين وبين رجلين ولكن الموارنة هم الموارنة لم تغير فيهم نوائب الدهر وما صنعوه بأيديهم من خراب لبلد أحبوه فقتلوه أكثر من مرّة دفاعاً عن وجود مائز لهم لا يستمر بالقوّة و إنما تستنزفه القوّة الى الحد الذي تصبح فيه القوّة لعنة مسيحية أبدية .
في زمن بشير الجميل الإستثنائي كان الحلم الماروني يلامس المسيحية السياسية ويدغدغ مشاعرها ويبني لها مستقبلاً خاصاً لها على الطريقة الغربية والفرنسية تحديداً بعد الخلاص من الشراكة المتعبة مع مسلمين غير قادرين على التخلص من تجربة البادية وما زال الحنين يدفعهم الى إختيار ظل نخلة على كنف الدولة عصرية منسجمة تماماً مع الغرب لا مع ما هو سائد عند العرب .
ربح بشير الحرب وقلوب المسيحيين معاً وكانت رئاسته الآتية على ظهر دبابة إسرائيلية تتويجاً لمملكة مسيحية يحكمها ملك لم يرث الحكم وإنما حققه بقتاله وتعامله مع الشيطان رغبة بالوصول الى منتهى الحلم بجعل الكيان دولة مسيحية خاصة في شرق إسلامي فيه من المسيحيين من هم رعايا فقط لا شركاء في الحقوق السياسية . 

إقرأ أيضا : كيف سيواجه نصر الله الإتهامات الموجهة ضده في إغتيال بدر الدين؟
كان الإنفجار الذي أودى بحياة بشير الجميل أقوى بكثير من الإنفجار الذي أحدثته نتائج الحرب الأهلية ودخول إسرائيل الى بيروت وهذا ما أعاد المسيحيين الى نقطة الصفر وبذل الكثير من القتل في سبيل تحقيق مشروع بشير الذي توزع على من ورثه لا بالتساوي ولكن بحصص لم تكن كافية لجمع المسيحيين في سلّة واحدة وهكذا دخل الموارنة لعبة الفأر والقط في الشارع المسيحي بين قوى على إستعداد تام لتفجير أحقادهم ضدّ بعضهم البعض أكثر مما يختزنوه ضدّ المسلمين وكانت تجربة رئاسة الرئيس أمين الجميل فاتحة خلاف ماروني – ماروني إستمرمستعراً للحظة إنكفاء الكتائب وصعود التيّار الوطني الحرّ  ووصول الرئيس ميشال عون الى القصر بعد مصالحة عميقة مع القوّات اللبنانية نتج عنه عودة ميمونة لمارونية جديدة ولكن بخطاب بشيري تبشيري يستنهض كبوات المسيحيين ويدفعهم الى الحلم الذي خسروه لا بفعل فاعل بل بإصرار القوى المسيحية نفسها والتي لم تجد بعد في إحتكار السلطة ضعفاً لها لا قوّة تحميها من نفسها قبل غيرها .
لا يملك رئيس التيّاروالكتلة الحرّة الوزير جبران باسيل مواصفات القائد المسيحي التاريخي بشير الجميل ليحل محله ومكانه في الوسط المسيحي وفي الدور والأهداف ذاته ولكنه يملك رغبة جامحة في توظيف الحضور المسيحي لصالح بناء سلطة عصبية قائمة على دفتر شروط الماضي الذي إختزل الوجود المسيحي بالدور الريادي أي بإبتلاع السلطة كحصة مسيحية أولاً ومن ثمّ كجائزة ترضية لهم في شرق غير منصف للمسيحيين في حقوقهم السياسية .
مازال المسيحيون قابلون لإشتعالات شموع الكنيسة السياسية وبقوّة إحتراق هائلة و إن كانت في المنظور الخارجي بطيئة إلا أنها تملك حرارة عالية ومستعدة  لحرق ما يعيق إنتشارها وبكثافة لأن شُحنات التحريض الطائفي وصلت الى أعلى مستوياتها في ظل شعور مسيحي بغبن لاحق بهم منذ توقيع إتفاق الطائف .

إقرأ أيضاً: انقسامات وتباينات تهدد التحالفات والتسوية؟
لا شك بأن مرحلة بشير كانت مرحلة ثورة مسيحية بالمعنى العلمي للكلمة في حين أن مرحلة باسيل هي مرحلة فورة مسيحية لأن زمن الثورات إنتهى عملياً وبالتالي كانت الأولى وفي عهد القائد تعبرعن مشروع ماروني – مسيحي في حين أن الثانية تعكس مصالح سياسي شخصية وفئوية ولا يصل مداها ليشمل الموارنة والمسيحيين لا ككتلة ولا كهوية و إنما كجهة حزبية تعتمل لصالح القيادة وتوفر لها إحتياجاتها وإحتياجات شبكات المصالح المتعلقة بها .
هذا السعي المسيحي الحثيث نحو مارونية جديدة سيحرك سواكن التطرف الماروني وهو لن يخدم المسيحيين تحديداً بل سيجعلهم هلكة ظروف غير قادرين على مواجهتها في مرحلة يعاد فيها تشكيل المنطقة وفق مشتهيات أخرى منافية لصعود العصبيات الصغيرة إلا بالقدر الذي يجعل منها لقمة سائغة للعصبيات الكبيرة.