لا يزال الحوار الديني في بعض كهوفنا الإسلامية من المحظورات التي استثقلته مؤسسات القطع والقطيعة فانغلقت على ذاتها وأغلقت أبوابها على الآخر بذريعة أن الحوار يجافي أصول الدين أو ثوابت العقيدة التي لا تحتمل شيئاً من أسئلة الباحثين في قضايا الأزمات الدينية، وعندها أن ما يراها البعض أزمة دينية هو في نظرها حرم مقدس لا يجوز الاقتراب من حدوده، وتالياً لا معنى لحوار يجري خارج هذه الأسوار فهو كمن يحرث في البحر أو ينفخ في الماء.
ومن أعجب ما يقال على ألسنة بعض المتكلمين باسم الدين أن الدعوة إلى الحوار وما يصاحبه من دعوة إلى تجديد الخطاب الديني إنما هو تضليل جاءنا من ثقافة الغرب وأعداء الإسلام.
وما يزال الحديث متلاطماً في أروقة بعض الإتجاهات الدينية عن جدوى الحوار أو الاقتناع بقيمته وضرورته، وأما من يميل إلى الأخذ بسبيل الحوار نهجاً ورسالة فتراه لا يخفي هواجسه هو الآخر على مستقبل الحوار وقد انقلب من القرن الماضي وحتى يومنا هذا إلى شعارات لفظية لا ندري مدى ما يكون لها من صدق على واقع لم يلتفت بعد إلى أهمية توحيد الجهود الدينية وتنسيق برامجها لإيجاد وحدة ثقافية دينية تكون الدليل إلى عيشنا المشترك.
ومع غياب القرار السياسي الداعم لجهود المشتغلين في مجالات الحوار الواسعة وفي حاضر ديني مبعثر توقف نبض الحوار وطمس على قلبه ليشعر بغربة الانتماء إلى مجتمعات أو مؤسسات رافضة أو معادية لفكرة الحوار من أساسه.

إقرأ أيضًا: عن دور الاستشراق في حوار الثقافات
ولعل من أبرز العوائق التي تواجه الباحث عند محاولة تشخيص الأزمات الدينية المعاصرة هي قلة الدراسات الوصفية والتحليلية لواقع المشهد الديني وذلك بسبب التهوين من شان المشكلة الدينية من جهة، وانشغال أكثر الباحثين الإسلاميين في مشروعات نظرية وكلامية وتاريخية وفقهية لا علاقة لها بمشكلات الإجتماع الديني وما يجابهه من تحديات راهنة ومستقبلية، وهو الأمر الذي أدى إلى وقوع الكتاب الإسلامي في أزمتين: 
أحداهما: أزمة الانفصال عن الواقع 
ثانيهما: أزمة إنتاج المعرفة الصحيحة بالهوية الحضارية للأمة في سياق اختباراتها التطبيقية والموضوعية.
إن الأخطاء والمأخذ المنهجية الملحوظة في مجالات البحث الإسلامي، وانتشار ظاهرة الخطابية في التفكير، وإساءة استخدام النصوص الدينية والسطحية في تحليلها، والجزم في إصدار أحكام التكفير والتخوين هي أمثلة حية عن معروضات الفكر الإسلامي وانتقال عيوبه إلى مؤسسات ومجتمعات لن تقبل بثقافة الحوار إلا بعد تصحيح تصوراته المخطئة عن الإسلام من جهة، وعن حقائق الرسالات السماوية من جهة ثانية، وإلى أن نشهد ميلاد هيئات تشرف على صناعة الكتاب الإسلامي وهيئات تعنى بالتخطيط الديني واجتماعياته سيبقى الحوار والحاجة إلى تأصيل مفهوماته من أهم أولويات هذه المرحلة.
وأراني أدق أجراس الخطر بأن الطوائف الدينية ما لم تنجح في إقناع بعضها بضرورات الحوار وقدسية السلم الوطني فإن صورتها ستظل كالحة وقاتمة، ومن دون تصحيح العلاقة بين المذاهب الدينية المختلفة ستكون العاقبة وخيمة على الجميع في حاضر الفتن ونتائجها الكارثية.

إقرأ أيضًا: أزمة اللغة في محنة الفكر والحوار
وحسبي أن ألفت إلى واحدة من المفارقات الساخرة في معارض الكتاب العربي والإسلامي وهي أن الرقابة التي كانت تفرض على أعمال نقد الفكر الديني بخاصة، ونقديات التوجيه الملتزم بوجوب تصحيح صورة الإسلام بعامة لم تفرض قراراً واحداً لمنع كتب الفتنة والسحر والشعوذة والخرافة، حتى وصل الأمر ببعض المؤسسات الإسلامية إلى تكريم الأقلام المتخصصة بنشر ثقافة التطرف والتعصب وفي ظنها أنها ترد بذلك على تكريم تلك الأقلام التي ذهبت بعيداً بتشويه الإسلام فكراً وثقافة وعقيدة وأمة.
 ومن ظاهرة الترويج في الغرب لكتاب الآيات الشيطانية إلى ظاهرة تمويل الكتب المثيرة للفتن الدينية وتوزيع دسائسها وسمومها بالمجان، تمادت لعبة الاستثمار السياسي بالدين فانحطت أساليب الحوار وطغت عليها البذاءة والهلهلة في مدى فضائيات الدين وشيوخها المجاهرين بإفساد الدين والتدين الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه.