من أخطاء الحوار الديني أن يستسلم لحروب الفتن ثم يسعى لتسويغها تحت ضغط المتسلطين على منابر التدين الشعبي وحلقاته، من دون أي التفات إلى تلك النصوص المباركة التي تحث العاملين والمصلحين، لا على التفكير والتعقل في مواجهة الأزمات الدينية فحسب، بل على نزع جذورها من أوهام الجهل والخرافة والتقليد. وما من شك في أن البدعة المحرمة في الإسلام ليست هي الاجتهاد، وليست في مشروع أن يكون العقل العلمي أساساً في فهم الإسلام، بل هي في كل فكر أو سلوك يتناقض مع الرسالة السمحة ومع كل ابتداع يسيء استخدام العقل وتفسير الدين تفسيراً يحلل ما حرم الله من إزهاق الأرواح وقتل النفس التي تعادل بالميزان القرآني قتل الناس جميعاً.
كذلك يتحدث القرآن الكريم مئات المرات عن العقل وأولي النهى والألباب وسواها من مرادفات الدعوة إلى النظر والتفكير، ما يعني أن حوار الحياة من أجل فهم أفضل لمقاصد الدين هو فعل إيمان يحترم معنى أن يكون الحوار الديني والثقافي تنويراً لوعي الحكمة الإلهية في التنوع والاختلاف.
إن تربية العقل الديني على الحوار وتأسيسه على الأخلاق من شأنه أن يعالج إشكالات التنازع لا مع الحركات المناهضة للدين فحسب، بل مع المذاهب الدينية المختلفة بعضها مع بعض، فالحوار هو أشرف وسيلة لإعادة تشكيل الاجتماع الديني والثقافي المتعدد تشكيلاً بقيم الفضيلة والالتزام بمرجعية العقل العلمي الذي يبحث في الأسباب والنتائج عند كل مشكلة تؤدي إلى العداوة والبغضاء بين أبناء الأمة الواحدة، وبكلمة، فإن تنوير العقل الديني بالحوار يجب أن يتحرر من نوازع الأهواء المذهبية والطائفية ليؤكد احترامه لمرجعية العلم والبرهان في إنتاج المعرفة الدينية الصحيحة بوصفها من موضوعات علم الدين وهو علم لا يمكن أن يرفض النقد الذاتي، فضلاً عن تطلعه الدائم إلى الحوار مع الاتجاهات المغايرة لفلسفة الدين نفسه، فلا دين اجتماعي من دون حوار، ولا مستقبل للدين من دون تنوير الوعي بالحوار، ولاسيما أن شرف الدين كله مرتكز على جوهر ميزاته الأخلاقية بمفتاح التعارف، أي بالحوار الإنساني بين الأمم والشعوب حيث عمران الأرض بالحق والخير والعدالة هو غايتنا جميعاً من أجل سلامة الأرض وسلام الإنسان.. وفي المشهد العربي الراهن أن ينقطع الحوار بين المختلفين في الدين فتلك علامة من علامات التخلف، وأن تكون العلاقة بينهم مشحونة بخطاب النفي المتبادل، فهذا من عوامل الاستبداد الديني وسوء الفهم لجوهر الدين والتدين، وإذاً، يجب أن نبحث في المشكلات الناجمة عن تلك القطيعة وهذا الجهل في مجالين: أحدهما، في مجال أثر نصوص الكراهية وتجريم الرأي المخالف في الاجتماع المتعدد، وثانيهما، في مجال التقاليد والعادات المتجذرة في أذهان الجاهلين بالجانب الاجتماعي من وظائف الدين ورسالته.