قبل ان يصدر إعلان عمان عن القمة العربية، كانت إدارة دونالد ترامب تضع إصبعها في عيون الفلسطينيين والعرب أجمعين، بتبنّيها المطلق سياسة الاستيطان والتهويد الإسرائيلية كما لم يحصل من قبل.
 

القضية الفلسطينية جاءت في مقدم بنود البيان الختامي للقمة، الذي دعا المجتمع الدولي الى التزام الشرعية الدولية وقراراتها المتعلقة بوضع مدينة القدس، واعتبار نقل أي بلد سفارته اليها، بمثابة تعد على القوانين والقرارات الأممية وعلى الشعب الفلسطيني، وخصوصاً قراري مجلس الأمن ٤٧٦ و٤٧٨ الصادرين عام ١٩٨٠. ولكن قبل يومين من عقد القمة حرص ترامب على إرسال نائبه مايك بنس الى المؤتمر السنوي للوبي الإسرائيلي "إيباك"، حيث أعلن ان واشنطن تدرس جدياً نقل السفارة الى القدس: "بعد عقود من الحديث عن الموضوع يدرس الرئيس الأميركي جدياً مسألة نقل السفارة الأميركية من تل ابيب الى القدس".
بدا هذا الإعلان بمثابة رصاصة تطلق على رأس جثة التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، وأيضاً على رأس كل المساعي الديبلوماسية الأميركية التي تحطمت دائماً عند سياسة انحياز الإدارات الأميركية المتعاقبة الى إسرائيل، والتي يبدو ان إدارة ترامب ستتجاوزها إذا أقدمت فعلاً على نقل سفارتها الى القدس، بما يعني انها تدفن مبدأ إقامة الدولتين وان تكون القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية!
لم يتوقف الأمر عند هذا، فقد ذهبت نيكي هالي المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، الى مؤتمر "إيباك" عشية القمة العربية، لتعلن "أن زمن تقريع الدولة الإسرائيلية قد ولّى، وأريدكم ان تعرفوا ان الأمر لن يتكرر، لقد كان بمثابة ركلة في البطن شعرت بها الولايات المتحدة "، والمقصود بزمن التقريع ان إدارة باراك أوباما لم تستعمل الفيتو لمنع صدور القرار ٢٢٣٤ الذي ندّد بسياسة الاستيطان الإسرائيلية!
وهكذا عندما يبدو كأن بنيامين نتنياهو هو الذي يقرر سياسة البيت الأبيض حيال القضية الفلسطينية، ما حاجة ترامب الى إرسال مبعوثه الخاص جايسون غرينبلات لمقابلة الرئيس محمد عباس ونتنياهو، ونقل أفكار قيل إنها عبارة عن "رؤية ترامب" لاستئناف عملية السلام؟ وإذا صحّ ان هذه الرؤية تدعو الى عقد مؤتمر إقليمي في رعاية أميركية، تحضره إسرائيل والسلطة الفلسطينية وتشارك فيه الدول العربية، وأنه يهدف بالتالي الى إطلاق حوار عربي - إسرائيلي مباشر، بالتوازي مع حل سياسي للقضية الفلسطينية، فإن ذلك يمثّل طريقاً سريعاً الى فشل ذريع، وخصوصاً اذا كانت مقدمته نقل السفارة الأميركية الى القدس بما يساعد نتنياهو على دفن رؤية الدولتين التي كان قد اقترحها جورج بوش الابن!
ومن "رؤية بوش" الى "رؤية ترامب" تستمر حركة الاستيطان والتهويد الى درجة انه قد يستحيل علينا غداً رؤية ما تبقى من فلسطين!