تأتي الجولة الآسيوية لخادم الحرمين على مفترقات عميقة ومهمة، ليس لأن الحديث يتنامى منذ عقد عن القرن الآسيوي، ولأن خبراء التوازنات الإستراتيجية يتحدثون الآن عن معالم ما بعد الغرب، بل لأن السعودية تبقى دائماً أشبه بحجر الرحى على المستويات الدينية والسياسية والإقتصادية، وهو ما يجعلها دائماً البوابة الإسلامية العربية الخليجية لعبور العالم الى المنطقة وعبور المنطقة الى العالم.
 

 ليس هناك من يعرف هذه الحقائق مثل الملك سلمان، الذي حرص دائماً ومنذ كان ولياً للعهد على هندسة خريطة دولية للعلاقات السعودية مع دول العالم على قاعدة من الواقعية السياسية والتوازن العميق والضروري، الذي يخدم المملكة ويتلاءم مع المصالح المشتركة مع الآخرين، وفق براغماتية منفتحة تسهم بالتالي في إرساء وتعميق حوض تعاوني على المستويين الاقليمي والدولي.
ذلك ان السعودية التي تجلس على مقعد الشريك المميز في مجموعة العشرين الكبار، وتحتل المركز التاسع عالمياً من حيث الإستقرار الإقتصادي، لها وظائف حاسمة واساسية في ضمان التوازنات التي تحفظ الإستقرار الإقتصادي والسياسي وتدعم العلاقات المتعاونة والدافئة بين الدول.
إنها جولة على الدول التي يُطلق عليها "النمور الآسيوية"، لكنها تأتي مع انطلاق "رؤية ٢٠٣٠" التي ستكرس الدور الحيوي لـ "النمر السعودي" في شبكة العلاقات الإقتصادية والسياسية مع العالم، وفي الإطار التحديثي الأكثر أهمية في المنطقة والاقليم، ذلك ان ترسيخ لغة جسور العلاقات التبادلية وما تفرضه من تطوير وتحديث، عملية سيكون لها تأثيرها العميق ليس على الجوار الخليجي فحسب، بل على الأسس التي تقوم عليها العلاقات بين المنطقة العربية والعالم. من هذا المنطلق الإستراتيجي يرتكز الخطاب الذي حمله الملك سلمان الى "الشركاء الآسيويين" على ثلاثة محاور أساسية، أولاً توسيع وتعميق خطوط العلاقات الثنائية، وبلورة أطر للتعاون على قاعدة تبادلية تولي حداثية التعليم والتقدم التكنولوجي أهمية ضرورية. ثانياً محاربة الغلو والتطرف ومحاربة الإرهابيين ومكافحة الفكر الارهابي الذي يحاول اختطاف الإسلام وجعله ضد العالم، ولهذا الكلام أهمية عميقة في ماليزيا وأندونيسيا على وجه الخصوص. ثالثاً ضبط العلاقات الإقليمية والدولية على قاعدة من التعاون والاحترام الضروريين، وعدم التدخل في شؤون الآخرين كما تفعل ايران في الدول الاقليمية.
الجولة الآسيوية لسلمان تأتي استكمالاً لخط هندسه من قبل لتعميق العلاقات وتقوية التعاون، ذلك أنه بين نيسان ٢٠١٢ وعام ٢٠١٥، قام يوم كان ولياً للعهد، بزيارة ١١ بلداً بينها باكستان واليابان والصين والهند وأوستراليا والمالديف، إضافة الى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا وتركيا. كل ذلك على قاعدة التوازن وترسيخ علاقات التعاون الضرورية جداً التي ترسيها سياسة "السعودية الجديدة" التي كتب عنها دنيس روس مقالاً في "الواشنطن بوست" في ايلول الماضي بعد زيارته الرياض.