لنأخذ على سبيل المثال كلمة شهيد، هي كلمة عربية قديمة ربما، فهي مشتقة من فعل شهد، بمعنى شهد الشاهد، والشهادة هي اعتراف الإيمان في الإسلام، والصيغة التي تعبّر عن ذلك تبدأ مع كلمة أشهد، أي أعترف، أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
 

 تطبيق هذه الكلمة لتشمل ضحايا الإيمان، يعود بالتأكيد إلى تأثير الأدبيات المسيحية. فهذا التغيير في المعنى هو بالتأكيد لاحق على القرآن الكريم، لأن كلمة شهداء في القرآن لا تعني أبدًا "الذين يموتون في سبيل الله"، وإنما فقط الذين يشهدون لله ولرسوله، وذلك حتى في الآيات التي يبدو فيها أن الشهداء هم فئة من المؤمنين. (كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (سورة البقرة: 143)
في جميع آيات القرآن الكريم لا يوجد أي أثر لاستخدام مصطلح "شهيد" بمعنى الذي يقاتل ويقتل في سبيل الله، وهي جملة نجدها بوضوح مستخدمة في أماكن عدة من القرآن: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ)(سورة البقرة : 154). (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)(سورة آل عمران: 169).

إقرأ أيضا :  الإسلام والقدرة على احترام الإختلاف


يبدو أن انتقال معنى الشهيد من كونه شاهدًا إلى معنى القتل أو الموت في سبيل الله قد حصل في الأجيال اللاحقة وتحول فيما بعد كي يصبح عام الاستخدام بهذا المعنى أي أن تعريف المصطلح والمفهوم تغيّر كليًا.
وثمة أحاديث منسوبة إلى الرسول تقضي بإطلاق لفظ شهيد ليس فقط على من مات في سبيل الله أو الدين، وإنما أيضًا على حوالى سبعة أو تسعة أصناف أخرى من الموت يذكرها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني هكذا: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ، ومن مات دون أرضه فهو شهيد، من قتله بطنه فهو شهيد، من قُتِلَ في الغرْق أو الهدم فهو شهيد، من قُتِلَ بداء السّلِّ فهو شهيد، المرأة الجمعاء تموت في نفاسها فهي شهيدة)... وينقل غيره الحديث الطويل عن جَابِرَ بْنَ عَتِيكٍ –رضي الله عنه- أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ). رواهُ أبو داود، والنَّسائيُّ، وغيرهما، وصححه الألباني.
وفي القرن الثالث للهجرة فإن الإمام المجتهد داوود بن علي بن خلف الكوفي الولادة الأصفهاني الأصل، الملقب بالظاهري، (تُنسب إليه الطائفة الظاهرية أي أسلاف السلفية، وسميت بذلك لأخذها بظاهر الكتاب والسنة وإعراضها عن التأويل والرأي والقياس)، كان يقول إن من مات من الحب فهو شهيد؛ وذكر أن لهذا الحديث النبوي ألفاظًا هي: "من عشق فعف وكتم مات شهيدًا، " "من عشق فعف فمات فهو شهيد "، "من عشق فعف وكتم وصبر ، ثم مات فهو شهيد"، "من عشق فعف دخل الجنة".