ماذا يعني لمسلم لبناني كتاب جديد عن الفاتيكان؟ بداية سيجد المسلم العادي في كتاب السفير البابوي المطران إدمون فرحات، (الطبعة الثانية مزيدة ومنقحة: دار سائر المشرق، بيروت 2015) معلومات سياحية جميلة غنية مزينة بالصور الملونة واللوحات الرائعة تجعله يتنقل بمتعة بين صفحات الكتاب وكأنه يتمشى بين مباني الفاتيكان وردهاته وساحاته وقاعاته ومتاحفه وكنوزه ومخطوطاته ولوحاته وخبزائنه... ناهيك عن البازيليكات والكابيلات والدياميس...إلخ. وسيجد المسلم العادي في الكتاب معلومات سياسية قيمة ومفيدة عن الفاتيكان كدولة، من أول نشوئها وإلى يومنا هذا ... وسيتوقف المسلم العادي عند تعدد اشكال هذه الدولة ويتبين وضع مؤسساتها وأجهزتها ويطلع على التزاماتها الدولية وعلاقاتها بالعالم ... وبالإسلام والعرب تحديدًا... والأهم أن المسلم العادي سيتعرف وضعية الفاتيكان الخاصة كدولة مستقلة بين الدول وكشخصية معنوية عالمية في آن... وسيجد المسلم العادي معلومات دينية عميقة وجديدة عليه تتعلق بالكنيسة الكاثوليكية وبمجامعها ومجالسها وجامعاتها ومحاكمها وجمعياتها وباباواتها وأساقفتها وقوانينها وتعميماتها...إلخ. فالفاتيكان هو أيضًا الكيان الديني الجامع للكنيسة الكاثوليكية الجامعة الشاملة (بحسب تعريفها لنفسها).
وأنا كمسلم عادي استفدت من كل ما سبق وكان الكتاب في طبعته الأولى دليلي في حلي وتجوالي في مباني الفاتيكان ومعانيه لسنوات وسنوات... أما اليوم ومع هذه الطبعة الجديدة المزيدة والمنقحة، والتي تبهج العين والعقل والقلب معًا، فإنني أحب أن اضيف محطتين وجدانيتين وخلاصة نقدية.
فأنا شخصيًا يعني لي الفاتيكان شيئًا مضافًا، استعدته بحنين مع صفحات هذا الكتاب. هذا المعنى المضاف الحميم تجسد في محطتين غاليتين كان لهما أن أحدثا تحولًا في وعيي وثقافتي وفي ممارستي السياسية. المحطة الأولى كانت سينودوس الأساقفة الكاثوليك من اجل لبنان الذي أنهى أعماله في 15 كانون الأول 1995 وكان بتفاصيله نقطة تحول أساسية في وعيي لموقع الفاتيكان ودوره في حماية الصيغة اللبنانية والتعايش الإسلامي المسيحي وفي الدفع باتجاه الإصلاح والتجديد داخل الكنيسة المسيحية أولًا والكنيسة اللبنانية ثانيًا، وداخل المجتمع اللبناني عمومًا.
المحطة الثانية كانت الجولة الخاصة التي قمنا بها صحبة الشيخ محمد مهدي شمس الدين في أنحاء الفاتيكان، بين مبانيه ومعانيه، بعد لقاء ممتع ومميز مع البابا يوحنا بولس الثاني في نيسان من العام 2000. في هذه الجولة، ومن خلال زيارة المتاحف والمكتبات والاطلاع على مخزون الوثائق والمخطوطات، ثم من خلال النقاش مع الشيخ شمس الدين، استعدنا جملة حقائق ومعطيات وجدنا أنها تصلح لقيام مراجعة نقدية إسلامية شاملة حول العلاقة بين الدين والدولة. فالفاتيكان محل تلاقي سلطتين متكاملتين، روحية دينية وزمنية مدنية، في شخص واحد هو البابا، الذي هو نائب السيد المسيح من جهة، وحاكم الدولة من جهة ثانية. فالمعنى الأساس الذي يهم المسلم العادي من كل مباني ومعاني الفاتيكان هو تلك العلاقة بين السلطتين: كيف كانت؟ وكيف تحولت؟ وإلى أين وصلت؟ وكيف عاشها المسيحي العادي في كل بلدانه وآفاقه؟ وكيف يعيشها اليوم؟... وهذا هو الأهم.
الملاحظة الخاصة التي أنقلها هي أنه بناء على الجولة التي قمنا بها يومها في أفق الفاتيكان ومبانيه ومعانيه، والنقاشات التي تبعتها وقد شملت الزملاء محمد السماك وعباس الحلبي اللذين أصر الشيخ شمس الدين أن يكونا معنا في الوفد الإسلامي الشيعي الرسمي في تلك الزيارة، جاءت وصايا شمس الدين ومن بعدها جاءت إسهامات السيد هاني فحص والسيد محمد حسن الأمين وأمثالهما من العلماء لتفتح بابًا واسعًا أمام نقاش تزداد أهميته اليوم وكل يوم، حول قضايا الدولة المدنية وعلاقتها بالسلطة الدينية، وحول العلاقات الإسلامية المسيحية ومعنى التوافق والميثاقية والدساتير الناظمة لصيغ العقد الاجتماعي والعيش معًا، وحول مسائل بناء الدول والأوطان وحفظها.
ختامًا أسمح لنفسي بملاحظة نقدية هي خلاصة تتعلق بما كنت أتمنى أن أجده في هذا الكتاب:
يا حبذا لو جرى التوسع في الحديث عن المجمع الفاتيكاني الأول(1962-1965) لما يشكله من مفصل حاسم في وعي الكنيسة لذاتها ولشعبها ولموقعها ودورها في العالم اليوم. والكلام خصوصًا عن الجانب الاجتماعي في تعاليم الكنيسة والتي يواصلها ويؤصلها البابا فرنسيس.
ضمن صفحة أحداث العالم الكاثوليكي كنت أتمنى وجود صفحة خاصة تتعلق بمسألتين: 1- السينودوس الخاص بلبنان وما سبقه وما تلاه.2- القدس، خصوصًا وأن صاحب هذا الكتاب السفير البابوي المطران إدمون فرحات هو أيضًا صاحب كتاب (القدس في الوثائق الفاتيكانية) وهو الذي ائتمنه الفاتيكان على هذا الموضوع وعلى العلاقة مع فلسطين.