ليست الغرابة في ان يتمكن تنظيم "داعش" من العودة لاحتلال مدينة تدمر، بعدما كان النظام قد أخرجه منها في آذار الماضي بدعم مكثّف من الطيران الروسي، الغرابة هي في ان يسارع الكرملين الى إلقاء المسؤولية عن عودة الإرهابيين الى تلك المدينة التاريخية على الأميركيين، والأشد غرابة القول إن السبب هو ان الأميركيين لا يتعاونون مع موسكو في محاربة الإرهاب !

الإحساس الروسي بالحرج ليس خافياً، فعندما يذكّرنا دميتري بيسكوف الناطق باسم فلاديمير بوتين بأن "تدمر مدينة سورية، والحديث لا يدور عن فقدان روسيا لتدمر، بل علينا ان نطرح الأسئلة بصيغة صحيحة، ففقدانها ضربة تضرّ بالبشرية المتحضرة برمتها"، فذلك يعني أنه يحاول رفع المسؤولية الروسية عن هذه الخسارة المعيبة!
هي بالفعل عملية معيبة جداً ولأكثر من سبب، اولاً لأن تحرير تدمر من "داعش" في آذار الماضي اعتُبر انتصاراً مهماً وكان يجب ألا تسقط من جديد، وخصوصاً وسط الحديث في هذه الأيام عن انتصارات النظام وحلفائه، وثانياً لأن سقوطها يأتي في وقت يركز الروس والنظام وحلفاؤه على استعادة شرق حلب والبدء بدك مناطق إدلب، وثالثاً وهو الأهم لأن سقوطها مجدداً في يد "داعش"، يشكل ضربة معنوية للنظام ولروسيا في وقت يسجل الأميركيون تقدماً ملحوظاً على الطريق من الباب الى الرقة.
أمام هذا ليس مستغرباً ان تشكل التطورات الميدانية منطلقاً لطرح المقارنة المُحرجة: الروس منهمكون في تدمير حلب والأميركيون منهمكون في السعي لإسقاط الرقة معقل "داعش"، وعلى رغم هذا لا تتردد موسكو في القول إن واشنطن هي المسؤولة عن استيلاء "داعش" على تدمر لأنها لا تتعاون معها!
غريب، لكأن موسكو قبلت يوماً بالتعاون مع واشنطن والتحالف الدولي في الحرب على الإرهاب، وهي التي تركّز كل عملياتها على دعم النظام السوري ولو على جثث المعارضين في حلب وغيرها، وعلى خلفية ما أعلنه بوتين منذ البداية من أن كل معارض للنظام إرهابي!
الفضيحة ان يتمكن "داعش" من العودة الى تدمر، في حين يغرق الروس في تدمير حلب، بينما يندفع الأميركيون في دعم "قوات سوريا الديموقراطية"، وهي تحالف فصائل عربية وكردية، لبدء المرحلة الثانية من حملة "غضب الفرات"، التي يتقدمها جنود أميركيون لطرد "داعش" من معقله الأساسي في الرقة، وهو ما يتّخذ شكل سباق نحو أهداف متناقضة!
لم يكن الروس والنظام في حاجة الى تعاون الأميركيين لطرد "داعش" من تدمر في آذار الماضي، فلماذا الحاجة اليهم الآن على رغم الحديث عن الانتصارات المتتالية في حلب، ثم عندما يوجّه المجتمع الدولي التهم الى الروس بتدمير سوريا على رؤوس أهلها، كيف يتجاسر بيسكوف ويدعو هذا المجتمع الى بذل الجهود لتحرير تدمر؟