الشكوك في فرص نجاح الاتفاق الأخير لوقف العمليات القتالية في سوريا الذي توصل اليه المسؤولون الاميركيون والروس، عميقة وواسعة، وتشمل حتى جهات اميركية رسمية. مسؤولون في القيادة المركزية المسؤولة عن العمليات العسكرية في سوريا والعراق قالوا علناً إنهم لا يتوقعون تشكيل "مركز التطبيق المشترك" الذي سيشرف على تنسيق العمليات العسكرية الاميركية - الروسية ضد تنظيمي "داعش" و"جبهة" النصرة فوراً بعد مرور سبعة أيام من الهدوء وفقا للاتفاق، نظراً الى انعدام الثقة بروسيا. ومعارضة وزير الدفاع آشتون كارتر وكبار العسكريين لأي تنسيق ميداني مع روسيا معروفة، لانه سيؤدي في رأيهم الى اعطاء الشرعية للقوات الروسية التي تمارس القصف العشوائي في سوريا، كما سيكافئ الجيش الروسي الذي احتل شبه جزيرة القرم في أوكرانيا، فضلاً عن أي تعاون كهذا سوف يكشف طبيعة عمل القوات الاميركية وكيفية جمعها للمعلومات الاستخبارية. المتحفظون عن الاتفاق في واشنطن يراهنون على الاسد وحلفائه لتقويضه حتى قبل بدء تطبيقه.

سياسياً واستراتيجياً ليس من المبالغة القول إن موافقة واشنطن على الاتفاق هي بمثابة تسليم أميركي بأن روسيا هي الطرف الرئيسي الذي يبادر عسكرياً وسياسياً في سوريا، حيث تجد واشنطن نفسها – بسبب غياب قوات أميركية في سوريا - مضطرة الى ردود الفعل. وهناك عقبات كبيرة امام تطبيق الاتفاق من أبرزها سجل النظام السوري وحلفائه مثل ايران و"حزب الله"، وأيضاً روسيا في عدم احترام تعهداتهم ووعودهم، وخصوصاً منذ الاتفاق الاول لوقف العمليات القتالية في شباط الماضي. الاتفاق لا يتطرق الى كيفية مساءلة أي طرف ينتهك الاتفاق، كما لا يشير الى مسؤوليات أطراف مثل ايران والميليشيات الشيعية.
وهناك صعوبات تقنية ولوجيستية، وخصوصاً بعد معاودة النظام وحلفائه حصار حلب، الامر الذي يجعل مسألة فك تداخل قوات "جبهة النصرة"، التي تريد واشنطن ان تضربها مع روسيا، والفصائل الاخرى في حلب مسألة بالغة الصعوبة. وأكثر ما تخشاه قوات المعارضة التي لا تؤيد "جبهة النصرة" سياسياً، لكنها تجد نفسها ميدانياً تحارب مع "النصرة" أو قرب "النصرة" قوات النظام وحلفائه، هو انه اذا بدأ الاميركيون والروس بالفعل عمليات مشتركة لضرب النصرة، ان يؤدي ذلك الى تعزيز الوضع العسكري لنظام الاسد (تعزيز نفوذ موسكو) الامر الذي سيلغي أي ضغوط على الاسد لمعاودة المفاوضات. تطبيق الاتفاق العسكري – في غياب تفاهم على عملية سياسية تؤدي الى رحيل الاسد وحاشيته الدموية - سيؤدي الى إلحاق نكسة كبيرة بالمعارضة السورية.
تبريرات الوزير كيري للاتفاق لا تتعدى التمنيات. هذه هي النتيجة المنطقية لخمس سنوات من التردد والتخبط الاميركيين في سوريا.