للرؤساء الاميركيين منذ بدايات الجمهورية علاقات معقدة مع الصحافة. وحرية التعبير يضمنها الدستور، ما يعني ان العلاقة مبنية على توتر ضمني بين الحكومة التي تميل بطبيعتها، حتى في المجتمعات الديموقراطية، الى التردد في كشف المعلومات لاسباب بعضها مفهوم، مثل قضايا الامن القومي، وبعضها يعود إلى رغبتها في احتكار المعلومات وصياغة الخطاب السياسي لخدمة أولوياتها. ولكن لم يحصل أن وصلت عدائية أي رئيس للاعلام، الى المستويات التي بلغتها خلال ولاية الرئيس ترامب، الذي يحرض الاميركيين على الصحافيين حين يتهمهم بأنهم “أعداء الشعب”.

الرئيس الاميركي الثالث توماس جيفرسون، الذي كتب اعلان الاستقلال، والذي حفلت حياته بتناقضات جذرية، عكس هذه العلاقة المعقدة اكثر من أي رئيس آخر. فقد كتب قبل انتخابه انه لو خيّر بين أن “تكون لنا حكومة دون صحافة، أو صحافة دون حكومة، فانني لن أتردد ولو لحظة في قبول الخيار الثاني”. الصحف في تلك الفترة لم تكن بالضرورة محايدة وكانت حافلة بالانتقادات الشنيعة – المبررة والملفقة – للسياسيين. وسرعان ما اكتشف جيفرسون بعد انتخابه ان سهام الصحافة بدأت تطاوله شخصياً. فقد اتهم انه ملحد ومتطرف، وسرت شائعات أنه أنجب أولاداً من أمرأة مستعبدة – وهذه حقيقة اكدتها الابحاث الجينية الحديثة – ما دفعه الى القول: “لا يمكنك تصديق أي شيء تقرأه في الصحف”. ومع ان جيفرسون حاول منع بعض الصحف من نشر مقالات تثير الفتن، الا انه لم يغير ايمانه العميق بحرية الصحافة.

في القرن العشرين ومع تطور تقنيات الاعلام، ازدادت العلاقات بين الصحافيين والرؤساء تعقيداً. وادرك الرئيس فرانكلين روزفلت في ثلاثينات القرن ان للراديو تأثيراً هائلاً، فبدأ يستخدمه للوصول مباشرة الى الاميركيين. وكان جون أف. كينيدي أول رئيس يتقن استخدام التلفزيون كوسيلة اعلامية طاغية. وعكس أداؤه خلال مؤتمراته الصحافية المتلفزة، ذكاءه وسرعة بديهيته. ومراسلو البيت الأبيض المعجبون بكينيدي تجاهلوا الحديث أو الكتابة عن غزواته الجنسية الكثيرة.

لكن ولاية الرئيس نيكسون كانت نقطة تحول مفصلية. نيكسون خاض حرباً ضروساً ضد الصحافة، وكان لديه قائمة بأعدائه الصحافيين بسبب انتقاداتهم لحرب فيتنام ولاحقاً لانتهاكاته للقانون. تحقيقات صحيفة “الواشنطن بوست” وغيرها خلال فضيحة “ووترغيت” أرغمت نيكسون على الاستقالة.

الرئيس ترامب الذي يخفي كل علاقاته المالية ، والذي لم يلتزم تقليد كشف سجلاته الضريبية، والذي انتخب وسط تهم وشكوك موثقة بان روسيا ساهمت في انجاحه، يرى طبعاً في الصحافة عدواً لدوداً. وصباح الثلثاء ومع تقدم تحقيقات المحقق روبرت مولر، غرّد ترامب بانه لن يكون هناك بعد الآن ايجاز صحافي يومي (في الواقع الايجاز اليومي اختفى منذ أشهر، وحل محله ايجاز كل شهر أو أكثر) وبرر ذلك بأن الصحافة غير منصفة له. وهكذا غيّر ترامب تقليداً عمره أكثر من قرن.