أسئلة لبنانية طُرحت على ديبلوماسيّين أجانب في لبنان حول التطورات الأخيرة في المنطقة ربطاً بما سُمّي الاتفاق على إنشاء «مناطق آمنة» في سوريا
 

كان القصد من هذه الأسئلة، محاولة تبديد القلق من أن تستتبعها ارتدادات على لبنان من «المناطق غير الآمنة» عليه، ومن أن يكون هذا الاتفاق بمثابة حجر أساس لتقسيم المنطقة؟

علامات الاستفهام اللبنانية أحاطت الموقف الروسي وكذلك موقف الحلفاء؛ فالحديث عن «المناطق العازلة» أو «المناطق الآمنة»، لطالما كان محلَّ خلاف عميق بين القوى الفاعلة في الميدان السوري، وسبق لروسيا ومعها إيران وسوريا أن رفضت طروحات من هذا النوع طالبت بها الولايات المتحدة وتركيا والسعودية، أما المفاجأة فتجلّت اليوم في قيام روسيا نفسها بطرحه في محادثات آستانة، فما الذي حصل؟

الأجوبة الديبلوماسية على الأسئلة اللبنانية، تتفهّم قلق اللبنانيين، إلّا أنّها قدّمت هذا الاتفاق على أنه ليس ناجزاً بعد وقاربته بحذر وخوف على هذا الاتفاق؛ التقويم الأولي له لا يرفع سقف التوقعات، لأسباب منها فشل تجارب سابقة، وحقول الألغام الكثيرة في العلاقة الروسية - الأميركية. هو اتفاق «نادر»، لكنه لم يقم بعد، وتبقى الكلمة الفصل في اللقاء المرتقب بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب، الذي سيُحدّد ما إذا كانت واشنطن وموسكو على أعتاب «صفقة كبرى»، تبرّد أجواء التصعيد، تقود الى التسوية الحقيقية.

تقارب الأجوبة الديبلوماسية اتفاق «المناطق الآمنة» بوصفه نقطة تحوّل في المقاربة الروسية للأزمة السورية؛ تحرّكات الديبلوماسية الروسية، ومواقف الكرملين، توحي أنّ السياسة الروسية باتت تتّسم بطابع المبادرة، مع إبقاء باب التعاون مفتوحاً مع دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتّحدة ضد الإرهاب، وفي الوقت ذاته الإبقاء على جهوزيّتها العسكرية، في سوريا ومناطق أخرى تحسّباً لسيناريوهات إرهابية.

ولعلّ هذا ما دفع ببوتين إلى الاعلان عن الاتفاق بنفسه، خلال لقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبعد اتصال هاتفي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مع التّشديد على الأهداف الأساسية للمبادرة الجديدة، سواءٌ لجهة وقف إطلاق النار، الممهّد بدوره لمفاوضات تسوية سياسية، أو لجهة التشديد على ثوابت السياسة الروسية لجهة التمسك بـ»وحدة الدولة السورية وسيادتها»، واستمرار الحرب ضد الإرهاب في سوريا.

الملفت في الأجوبة الديبلوماسية دعوتها الى التوقف ملياً عند الترحيب الفوري للحكومة السورية بالمبادرة الروسية، مع أنها كانت سابقاً ترفض أيّ حديث عن «مناطق آمنة». كما الى التوقف عند التناغم الروسي الأميركي لجعل «اتفاق أستانة» انطلاقةً جديدة في العلاقات حول سوريا، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية الأميركي ريك تيلرسون من أنّ واشنطن وموسكو اتفقتا على استئناف علاقات العمل المشترَك في التسوية السورية.

ولكن تلك الأجوبة تشير الى حذَر روسي؛ التقويم العام في موسكو ينطلق من أنّ ما جرى يُعَدّ علامة جيدة جداً ولكن من المبكر الحديث عن «صفقة كبرى». وطالما أنّ تركيا والولايات المتحدة مستعدتان لمساندة المبادرة الروسية، فإنّ ذلك يُعَدّ إشارة إيجابية جداً، ولكن لا داعي للتوهّم بأنّ هذا الأمر مفتاحٌ لحلّ كل المشكلات السورية، وإنما هو البداية له.

ومعلوم أنه بموجب الاتفاق ستُقام «مناطق تخفيف التصعيد»، وفي محيطها مناطق أمنية في 8 من أصل 14 محافظة سورية، تتواجد فيها فصائل المعارضة المسلّحة. ولا تشمل دير الزور والرقة، اللتين يتواجد فيهما تنظيم «داعش»، الذي سيستمر القتال ضده، في إطار الحرب على الإرهاب. كما لن تكون هناك مناطق «تخفيف التصعيد» في المحافظات الثلاث الخاضعة للنظام السوري، أي دمشق وطرطوس والسويداء.

وفي العموم، فإنّ «مناطق تخفيف التصعيد» ستشمل محافظة إدلب التي تسيطر عليها فصائل مسلّحة، من بينها «جبهة النصرة»، و- أجزاء من محافظات اللاذقية (غرباً) وحماه (وسط) وحلب (شمالاً)، و- أجزاء في ريف حمص الشمالي، حيث تسيطر الفصائل المعارضة على بعض مناطقه. كما تشمل الغوطة الشرقية، التي تُعَدّ معقل الفصائل المعارضة المسلحة (لا سيما «جيش الإسلام»)، وأجزاء من جنوب سوريا، في محافظتي درعا والقنيطرة.

وفي مناطق تخفيف التصعيد، سيتم بشكل أساسي «وقف أعمال العنف بين الأطراف المتنازعة، والعمل على ضمان وصول المساعدات الإنسانية، وتأهيل البنية التحتية، ووضع الظروف المناسبة لعودة اللاجئين والنازحين الراغبين بذلك. وعلى طول حدود «مناطق تخفيف التصعيد»، سيتمّ إنشاء «مناطق أمنية» الهدف منها تفادي أيّ حوادث أو مواجهات بين الأطراف المتنازِعة.

تتوقف الأجوبة الديبلوماسية عند ما تعتبرها «الأهم» في الاتفاق، وهو العمل على فصل فصائل المعارضة عن «المجموعات الإرهابية» المتمثلة بـ«جبهة النصرة» و«داعش». وترى أنّ هذه المسألة تمثل «شيطان التفاصيل» التي من شأنها تخفيف التوقعات إزاء نجاح هذه الآلية لوقف التصعيد.

إذ لطالما شكّل استثناء «جبهة النصرة» معوقاً أمام أيّ اتفاق لوقف إطلاق النار في سوريا، خصوصاً لتحالفها مع فصائل معارضة في مناطق عدة، أهمّها إدلب وحلب، وكذلك الدعم الذي يحظى به هذا الفصيل الإرهابي، من قِبَل دول إقليمية. ومن هنا كل القراءات والمقاربات لهذا الجانب تتقاطع عند فرضية أنّ هذا الاتفاق سيفشل نتيجة الثغرة في «موضوع النصرة».

وأما النظرة الأميركية للاتفاق، فتشير الأجوبة الديبلوماسية الى غموض في موقف وزارة الدفاع والوزير جيمس ماتيس أبدى حذَراً، حين سُئل عن فرص الاتفاق، فقال «كل الحروب تنتهي في نهاية الأمر، وكنا نبحث منذ فترة طويلة عن سبيل لإنهاء الحرب السورية، ولذلك سندرس الاقتراح ونرى ما إذا كان يمكن أن ينجح»، ولكن عندما جرى الإلحاح عليه بسؤال عما إذا كان يعتقد أنّ مناطق تخفيف التوتر قد تساعد في إنهاء الصراع، قال: «الشيطان يكمن دائماً في التفاصيل، لذلك يتعيّن علينا أن ندرس التفاصيل».