ليست هنا مدينة الرقة التي يسيطر عليها الدواعش الذين أقاموا دويلتهم الإسلامية فيها ويطبقون فتاوى متخلفة لعلماء متخشبين لعصور الانحطاط، بل هنا مدينة مشهد شرق إيران، مدينة مزدهرة عصرية ومتطورة بقصورها وفنادقها ومحلاتها التجارية ومجتمعها المتطور التي لا يختلف عن بقية المدن المدن الإيرانية والمجتمع الإيراني المتطلع نحو الحداثة، ولكن بإمكانك أن تجد فيه وفيها أيضاً دواعش على المستوى الرسمي والشعبي وتقتنع بأن الفكر الداعشي ليس حكراً على السنة.
يقول رجل دين السيد أحمد علم الهدى إمام جمعة مدينة مشهد الإيرانية التي يقع فيها مقام الإمام علي بن موسى الرضا، إن مدينة مشهد هي مدينة الزيارة وليست مدينة سياحية حتى تُدشن فيها مراكز ترفيهية وملاهي.
ثم خاطب علم الهدى المواطنين بالقول: إذا تريد أن تشارك في حفلة موسيقى فعليك أن تخرج من مدينة مشهد وتقيم بمدينة أخرى.
أثارت دعوة إمام مدينة مشهد وممثل الولي الفقيه بمحافظة خراسان، موجة من الردود والاستنكارت في إيران وخاصة في مدينة مشهد نفسها، وذلك بعد ما رضخ وزير الثقافة والإرشاد الإيراني علي جنتي لابتزاز إمام مشهد وأعلن عن انسحاب وزارة الثقافة من برامج الموسيقى في مدينة مشهد، مما يعني عجز الحكومة من الدفاع عن حقوق المواطنين.
جاء موثق وزير الثقافة والإرشاد بعد أن اصطدمت حفلات الموسيقى التقليدية التي تم التخطيط والإعداد لها في مشهد والمدن المجاورة منذ شهور بمعارضة الشبيحة المدعومة من قبل مراكز أمنية خارجة عن سيطرة الحكومة التي نحجت في إلغاء تلك الحفلات متذرعة بأن محافظة خراسان وخاصة مدينة مشهد هي منطقة مقدسة يجب للمقيمين فيها التجنب عن الترفيه واللهو احتراما لقداسة الإمام علي بن موسى الرضا وبالرغم من أن الرئيس روحاني يؤكد على الالتزام بالقانون والحريات إلا أن البعض من أمثال حجة الإسلام علم الهدى يرى بأن ما هو مباح في بقية المدن الإيرانية، محرّم في مدينة مشهد، بسبب مقام الإمام الرضا.
هذا وأن الشريعة الإسلامية لا تعرف ولا تعترف بأي خصوصية للمدن سوى مكة المكرمة التي يحرم ارتكاب بعض الأعمال فيها في أيام الحج وليس في طيلة السنة. وماسوى مكة المكرمة لا نجد خصوصية لأية مدينة يقطنها المسلمون تلك الخصوصية.
ويقول المحتجون على الدعوة الداعشية التي وجّهها إمام مشهد، إن إيران يسودها قوانين واحدة  ودستور واحد ولا يمكن الفصل بين المدن والمواطنين في الحقوق الشرعية التي تسري على الجميع.
ويرى المحتجون بأن تنازل الحكومة عن حقوق المواطنين في مدينة مشهد ورضوخها لطلب رجل دين متطرف يعطي إشارة لمعارضيها ويشجعهم للمزيد من الضغوط على الحكومة، وربما سوف يصل الدور إلى بقية المدن الإيرانية وفرض حظر الحفلات الموسيقية فيها بحجة أن إيران بكامل إراضيها هي بلد الإمام علي بن موسى الرضا، يجب التجنب عن جميع الترفيهات وحفلات الفرح فيها احتراماً لمقام الإمام الرضا!
ويقول خبير في الشؤون الدينية فضّل عدم ذكر اسمه: إذا كانت إقامة تلك الحفلات محرّمة وفق الشريعة الإسلامية فإنها محرّمة في جميع أنحاء العالم، وإذا تكون مباحة فإنها مباحة في جميع العالم الذي هو محضر الله ويجب الحذر من احترام عبد من عباد الله أكثر من احترام شريعة الله لأنه شرك بالله العظيم.
سبق لإمام مشهد أن اعتبر تعيين امرأة كمتحدثة للحكومة أو الوزارة يخالف القرآن، بعد أن عيّن وزير الخارجية ظريف، مرضية أفخم كناطقة رسمية لوزارة الخارجية الإيرانية، ولكن الوزير ظريف لم يكترث لفتواه السخيف، وها هو الآن سجّل نقطة ذهبية على حكومة الرئيس روحاني الذي أعلن خلال حملته الانتخابية بأنه فقيه قانوني وليس جنرالاً، إلا أن الجنرالات والمشايخ المتشددين لاينوون الانسحاب أمام الرئيس المحامي.