في ظل استاتيكو الدم الذي تشهده المنطقة وانسداد أي أفق لحسم الأمور عسكريا ووصول كل الأطراف المعنية إلى قناعة تامة أو قل إلى ضرورة الخروج من هذا النفق المظلم الذي دخلوا أو أدخلوا فيه، فكل اللاعبين على الساحة السورية والعراقية قد أنهكتهم إلى حد الإعياء تكاليف الحرب على كل المستويات البشرية والإقتصادية والأمنية إلى درجة الخوف على استقرار بلادهم بعد أن وصلت النيران إلى قلب بلدانهم. 


فانفجارات المدينة المنورة كانت المصداق الأبلغ في هذا السياق، وكذلك هي الحال بالنسبة لتفجيرات مطار اسطنبول كما الإنفجارات التي طالت منطقة الأحواز الإيرانية، وكان من اللافت عند المراقبين هذا التزامن بين التفجرات الثلاث والذي من الصعوبة بمكان وضعه في مدار واحد أو بخلفية سياسية مشتركة يمكن أن يعتمدها تنظيم داعش أو أن يكون لها أي رابط عسكري أو أمني، مما يعني أنّ نسبة هذه التفجيرات إلى داعش فيه الكثير من المبالغة. 


كل هذه المعطيات تعني بأن روسيا بما تمثل كلاعب أاكبر بالمنطقة، وقد أحكمت قبضتها على الملف السوري الأكثر اشتعالا في الإقليم بتفويض واضح من الأميركي المشغول حاليا بالدخول في دوامة الإنتخابات الرئاسية وما سوف ينتج عنها من انخفاض لحجم الإهتمامات الخارجية، مما يعني بأن اللحظة هي الأنسب لبوتين من أجل ترتيب أوراق المنطقة وفرض شروط اللعبة على جميع الأطراف وتكريس دوره كلاعب قوي على الساحة الدولية الهدف الذي من أجله كان التدخل الروسي بقواته.


وبناء على ما تقدم فإن العقبة النكداء أمام خارطة الطريق الروسية تكمن في إقناع كامل الأطراف بالجلوس على طاولة الحل الروسية، والعقدة الأكبر في هذا السياق تكمن في محاولات السعي إلى ما يشبه التقارب الإيراني الإسرائيلي بعد أن حسم أردوغان خياراته وحجز كرسيه بدون أي إحراج من خلال ما شهدناه من إعادة تموضع مفاجيء، وعودة العلاقات الروسية التركية وما لحقها من عودة العلاقات بين تركيا واسرائيل بسحر ساحر. 


وعلى صعيد المملكة السعودية فإن الأمر لن يكون شاقا، حتى وإن كان محرجا في ظل المزايدات الإيرانية بموضوع العداء لإسرائيل وحمل شعار الممانعة مما يفرض على المايسترو الروسي تقديم الموضوع الإيراني الإسرائيلي كمقدمة لتسهيل الخطوات السعودية في هذا المجال. 


وما يجري في هذا الموضوع هو محاولات فتح قنوات تفاوضية خلفية بين الجانب الإيراني من جهة والجانب الإسرائيلي من جهة أخرى من أجل تهيئة الرأي العام " الممانع " لتقبل فكرة التقارب بينهما .


فإن كان شعار محاربة الإرهاب لا يكفي وحده لكسر الطابو الإيراني بامتداداته الحزب اللهية فكان لا بد من إيجاد ملفات مشتركة يعمل على فتحها بأسرع وقت ممكن من أجل أن يصار الى خلق جو تفاوضي تكون الواجهة فيه موضوعات محددة، فيما التحاور الأساسي يكون بإعادة ترتيب المنطقة وتوزيع النفوذ وفق مصالح كل المشاركين. 


من هنا يمكن أن نفهم الخبر العجيب الغريب الذي تناقلته العديد من وسائل الإعلام عن لسان النائب الإيراني جواد كريمي قدموسي عن وجود أسرى إسرائيلين لدى حزب الله، وبأن اسرائيل مستعدة للتفاوض مع الحزب بهذا الخصوص ! ومن هنا أيضا يمكن أن نفهم هذا التحرك المفاجيء والمستهجن لملف النفط في لبنان وبالأخص ما جاء على لسان وزير الطاقة أرتور نظريان في حديث تلفزيوني " على لبنان التحرك في موضوع النفط بأسرع وقت ممكن مشيرا إلى أن البلوكات الموجودة بالجنوب من المفترض أن تطرح على المزايدة " 


وكان لافتا تركيز الوزير على المعلومات التي حصلت عليها الوزارة عن البلوكات الموجودة في الجنوب، مشيرا إلى أن هذه المعلومات تشمل مكامن مشتركة مع إسرائيل بحسب كلامه، 
وإذا أضفنا ما قاله الوزير "العوني" المقرب من حزب الله وسير الرئيس بري بالموضوع مما يوحي بما لا يبقى معه مجال للشك بوجود ضوء أخضر من حزب الله، مما يعني أن الرضى الإيراني والقرار الايراني إنما يصب في هذا المنحى. 


فإذا أضفنا إلى كل هذا، التحول العميق الذي طرأ على سلوكيات محور "الممانعة " بقيادة روسيا والتبدل الكبير بالأهداف الحقيقية بالأخص بعد الإتفاق النووي ودخول حزب الله في القتال بسوريا فصار مقاتلة الإرهاب ومحاربة داعش هو الأولوية النهائية لهذا المحور، فإن الخلاصة المتوقعة هي دخول إسرائيل إلى هذا المحور من بوابة النفط اللبناني هذه المرة .