لافت هو غياب اليافطات التي لطالما كانت تسبق أي استحقاق إنتخابي في الجنوب، والتي كان يعتمدها حزب الله بشكل دائم في حملاته الانتخابية ولقاءاته الاحتفالية التي ترتكز على منحى أساسي من خلال استثمار عناوين تدور حصراً حول "المقاومة" والشهداء والتضحية وكل ما يمت إلى هذه القضية بصلة. 

" قاوم بصوتك " .. " صوتك رصاصة " ... " انتخبوا لائحة الشهداء " ... " المقاومة عزنا وكرامتنا " .... 

هذه الشعارات ومثيلاتها الكثير كانت على الدوام تعتمد ولفترة طويلة كرافعة أساسية ووحيدة في استقطاب الجمهور الجنوبي ودفعه للاقتراع لصالح لوائح حزب الله وحلفائه، الذي نجح وإلى حدود بعيدة بخلق شعور جماعي في الوسط الشيعي العام يصور وكأن الاقتراع ولو لعضو بلدية في قرية صغيرة ونائية هو أقرب ما يكون إلى مساهمة واجبة لا بد منها في نصرة مشروع المقاومة كفعل حقيقي في سياق مواجهة المشروع الصهيوني .

هذه الحالة التي استمرت حتى الانتخابات الأخيرة في 2010 لم تعد لتحظى بنفس الإهتمام الجنوبي، ولم يعد رفع شعار " المقاومة " كفيل وحده بحسم خيارات الناخب، ونشأ وعي مستجد عند شرائح واسعة يستطيع الفصل بين الخيارات الكبرى وبين ما هو محلي، بالخصوص على مستوى انتخابات بلدية وإختيارية. 

ولا بد من الإشارة هنا أن الوعي الجماهيري المستجد، والمقدرة على الفصل بين "القاومة" من جهة وبين استغلالها لمكاسب حزبية ضيقة لا علاقة للمقاومة بها لا من قريب ولا من بعيد، فضلا عن الاستغلال الرخيص لها لمكاسب متدنية قد تهبط الى مستويات شخصية ترتبط بمصالح فردية بحتةلاداخل القرى والبلدات قد بلوره أمرين اثنين :

- الأداء السيء للبلديات التابعة لحزب الله في الكثير من القرى والمدن والتي يعود سبب الفشل إلى غياب مشاريع إنمائية حقيقة تنسجم مع رغبات الجنوبيين وثقافتهم المتجذرة في تطوير حياتهم اليومية وعدم الإكتفاء بأمور إنمائية بسيطة كبناء جدار هنا أو تزفيت طريق فرعي هناك، وغياب شبه تام وعدم إيلاء أي اهتمام للتنمية البشرية المباشرة من قبلهم (ثقافة - سياحة - صحة - حفلات - مهرجانات - نشاطات ترفيهية - هموم شبابية ....) مما حول اهتمامات بلديات حزب الله والأعضاء المنتدبين من قبله أقرب ما يكونوا إلى ممثلين حزبيين في البلدية لا يحملون أي إضافة حقيقية بوجودهم، وتحول العمل البلدي إلى ما يشبه العمل الروتيني الأجوف والجاف. 

- دخول حزب الله في الحرب السورية والقتال إلى جانب نظام بشار ولسنوات طويلة بدون تحقيق لأي من الإنتصارات الموعودة والتكلفة الباهظة التي تترتب على هذا التدخل وما ترافق معه من تبعات سلبية للكثير من الجنوبيين المنتشرين في دول الخليج العربي مع هدوء محبب ومرغوب على الحدود الشمالية مع العدو الإسرائيلي بفضل القرار الدولي 1701، كل هذا وذاك أفقد إلى حد كبير شعار "المقاومة" الزخم المعنوي الذي كان يتمتع به قبل سنوات من الآن.

  هذه الحقائق التي يعيها ويتلمسها حزب الله وماكينته الانتخابية جعلت من غياب عنوان "المقاومة" عن المشهد العام في الاستحقاق المرتقب أمرا طبيعيا بعد أن اسنفذ دوره الإستقطابي الإنتخابي. 

ومع افتقاد لوائح حزب الله وأفراده لمشاريع تنموية تلبي طموحات بيئته فلم يبق أمامه إلا الإتكاء على ما يقدمه من خدمات فردية عبر مؤسساته الخاصة والضخ المالي الكبير لمتفرغيه والموظفين لديه، مما يقلص إلى حد ما دائرة التأييد واختصارها على المستفيدين بشكل مباشر ومن يلوذون بهم، مع محاولة منه للزج بشخص الامين العام السيد حسن نصرالله من أجل ترميم هذا النقص والاستعانة بما يحظى من كاريزما للاستفادة منها في الإنتخابات القادمة.

ومن هنا جاء التسريب المقصود لفيديو الوزير حسين الحج حسن وهو يتلو الإرشادات التنظيمية الطبيعية، ولكن هذه المرة مع التأكيد أن القرار صادر عن شخص السيد حسن نصرالله مباشرة، وليس عن الدوائر التنفيذية المعنية كما هي الحال في كل الأحزاب والتنظيمات، وللسبب عينه سيكون ظهور الأمين العام الذي أعلن عنه يوم الجمعة القادم فهل سيعوض حضور السيد وجحزه الهمم الانتخابية كبديل عن غياب " المقاومة " ؟ أعتقد أن الناس لم تعد تكترث للكلام وتحتاج أكثر للأفعال .