كل مرة يرتكب فيها نظام بشار الاسد مجزرة موصوفة بحق أطفال ونساء سوريا، يطل علينا إعلام الممانعة بعبقريته الاجرامية واجتهاداته الدموية ليجترح لنا نظريات ما أنزل الله بها من سلطان كمحاولات منه لتبرير ساحة النظام ساعياً بكل ما أوتى من فتاوى لتطهير أيادي النظام من الدماء الحرام المسفوكة على مذبح عرشه برجس براميله الآثمة . واحدة من أبشع هذه الفتاوى الشيطانية التبريرية هي تلك التي سيقت على لسان نائب حزب الله في البرلمان اللبناني نواف الموسوي ويتم تداولها بشكل واسع على صفحات التواصل الاجتماعي التابعة لجمهور الممانعة، والتي تكاثرت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة بعد افتعال النظام الأسدي لمجزرة حلب وقصفه لمستشفى القدس الميداني الواقع في حي السكري الخاضع لسيطرة المعارضة والاعتداءات التي تعرضت لها أيضا كل الأحياء السكنية الاخرى. 

إن صور أشلاء المدنيين من الاطفال والنساء والمسنيين ومشاهد انتشالهم من تحت ركام منازلهم وأبنيتهم المهدمة ومشاهد الجرحى والمصابين المدنيين بالخصوص منهم الاطفال والنساء خلقت موجة استنكار عالية وحملة تضامنية إنسانية عارمة أحرجت إلى حد ما حلفاء النظام (النظام نفسه لا يحرج من هذه المشاهد) مما استنفر وسائلهم الاعلامية للدفاع عن فعلته من دون المراعاة للحد الأدنى من المشاعر الإنسانية فضلا عن ما يدعونه من التقيد بالاحكام الشرعية .

الركيزة الأساسية في الدعاية المضادة كانت بكل أسف الحديث عن الضحايا من الأطفال والنساء الذين يسقطون أيضا في الحرب الدائرة باليمن، وكأنّ المراد من وراء هذا الاستحضار الرخيص هو القول بكل وقاحة أنه وكما أن السعودية بحربها في اليمن تُذهب ضحايا أبرياء فمن حق النظام الأسدي أيضا أن يستهدف شعبه في المخابز والاسواق والمشافي الصحية ويقتل المدنيين! وإن من يريد أن يستنكر سقوط الاطفال هنا عليه قبلاً أن يستنكر نفس الفعلة المدانة هناك! 

هذه المعادلة الممانعتية الشريرة، التي تميز بين طفل وطفل من أجل الوصول إلى تبرئة القاتل فإنها لا تمتّ بصلة لأي معيار إنساني ، فقتل الاطفال والمدنيين هو فعل مدان أينما كان هؤلاء الاطفال، وبغض النظر عن هوية القاتل، أسدياً كان أو سعودياً أو اسرائيلياً أو هندوسياً.  يبقى أنه من الضروري القول في هذا السياق، أن الفرق الكبير بين سقوط ضحايا أطفال في اليمن عبر قصف الطيران السعودي لمواقع الحوثيين وقوات علي عبدالله صالح بطيران حديثة وصواريخ ذكية متطورة جدا، فإنه حتما يكون عن طريق الخطأ، لأن الأهداف السعودية وخلفها التحالف العربي لا يتحقق عبر الدماء البريئة،  بل على العكس تماما فإن هذه القوات المحاربة ودولها إنما تقدم نفسها كمدافع عن الشعب اليمني وإن أي بريء يسقط إنما يشكل اتهاماً واضحاً وانحرافاً عن الأهداف الحقيقية للمواجهة، فضلا عن مشاعر الأسف والحزن الذي تبديه دائما قيادة التحالف على أي دماء برئة تسقط في الحرب، ومما يساعد على صدق وحقيقة هذه المشاعر الإنسانية هو ما تبذله السعودية ودول التحالف من مساعٍ جادة للوصول إلى وضع حدٍ فوري لتلك الحرب والاستفادة من أي فرصة تلوح بالأفق من أجل استثمارها في إنهاء المعارك كما هي الحال بالمباحثات الجارية الآن في دولة الكويت وإصرار التحالف على وقف إطلاق النار وتأكيد الهدنة على عكس أداء الحوثيين وترددهم منذ اليوم الأول وإصرارهم على إطالة أمد الحرب. 

مع التأكيد ها هنا مرة جديدة عن إدانتنا الواضحة والصريحة لسقوط أي قطرة دم بريئة من أي طفل في اليمن. وأما في المقلب السوري، فإن أصل الصراع هو بين النظام وبين الجماهير التي قامت في وجهه، وبالتالي فإن المدنيين والأطفال والشيوخ هم بتوصيف هذا النظام بمثابة العدو، مما يعني أن استهدافهم ليس في حلب فقط، بل على امتداد الجغرافية السورية والمدن التي خرجت مطالبة بالحرية وسقوط هذا النظام المستبد، وليس أيضا في المراحل الأخيرة من هذا الصراع، بل ومنذ اليوم الأول لانتفاضة الناس في درعا، فحرب النظام السوري هي بالأساس ضد الشعب بما فيهم الاطفال منذ حمزة الخطيب ورفاقه الأطفال، وهذا فقط ما يساعد على فهم استعمال الطيران السوري للبراميل المتفجرة .

فإن كان من غير الجائز بل ومن المعيب الدخول في الحديث عن أرقام الضحايا من الأطفال في كل من اليمن وسوريا، وفارق الأعداد المهول بينهما، والتي ليس لها أي حيز في فعل الإدانة، ولو اختصرت على طفل واحد، ليبقى القول أن الفارق الأساسي والكبير بين جثث أطفال اليمن وأطفال سوريا، أنّ في اليمن يسقط أطفال في حرب الكبار وهو أمر يدعو للحزن والتضامن الانساني، بينما في سوريا فإن الاطفال والمدنيين هم أهداف حقيقية لحرب النظام على شعبه وهذا أمر يدعو إلى الحزن والإدانة ولا يوصف إلا في خانة جرائم الحرب.