أدخل السيّد مقتدى الصدر العراق في أزمته الفعلية والمتمثلة بمحنة السلطة الشيعية ودور الدعوة كحزب لا يغادر رئاسة الحكومة ويمسك بحسابات السلطة والثروة معاً في العراق بتأييد دولي وبدعم ايراني أدّى الى دفع العراق نحو مزالق كارثية مالية وسياسية وطائفية أشعرت سُنّة العراق بفقدان التوازن والشيعة من غير حزب الدعوة بنقصان المشاركة في الحصّة السياسية الشيعية والمالية مع الطرف المهيمن .

  كان تنظيم الخلافة الاسلامية " داعش " الجميع سنّة وشيعة وكُرداً لإخفاقهم في حكم العراق وتفشي أمراض ونوازع السلطة والمال مع ارتفاع متزايد في العصبيّات المذهبية بحيث أن رؤساء العراق أشبه ما يكونوا بشيوخ تربة وائمة مساجد وقرّاء عزاء ولم يكونوا في يوم من الأيام حكّاماً فعليين وهذا ما أدى الى ما هو عليه العراق من أزمات داخلية مفتوحة أتاحت للسيّد مقتدى الصدر فرص النيل من السلطة ورموزها الفاسدة بطريقة عراقية لا يُلام فيها الصدر ما دام القانون تحت أرجل الجميع .

  ماذا يريد مقتدى الصدر وتيّاره المتعدد المصالح ؟ سؤال متصل بشهية الشخص والتيّار في دولة مسروقة بالكامل لصالح مافيات طائفية نهبت المال العام وأرهقت الشعب بطريقة مُذلة بعد أن قيدوه بسلاسل مذهبية جعلت منه شعباً بلا ارادة بعد أن سرقوا عقله وباعوه للمرجعيّات الدينية والسياسية طمعاُ بالجنة وهرباً من جيفة الدنيا .

  جرب مقتدى الصدر الصراع المذهبي وفتك بسنة العراق في بدايات سقوط صدام حسين ظناً منه أنه يثأر لموتاه من شهداء الشيعة ومن ثمّ اندفع نحو دعوة المالكي الذي أخذ شيئًا من شخصية صدام فكسّر الصدرُ صنم استبداد المالكي في حروب عسكرية وسياسية ومن ثمّ تجاوب مع دعوات ايرانية للجم الخلاف الداخلي الشيعي وتمّ حجز الصدر في فندق ايراني ليعود بعد ذلك الى مربعه وربعه في تعاون ضروري مع السيّد العبادي لإنقاذ العراق من احتلالات " داعش " ولمّا تبيّن للصدر أن المطبخ السياسي الداخلي مازال يعمل وفق مشته وحسابات لا تمت بصلة لعملية تحرير العراق من "داعشيه " وأن مزاولة مهنة الصفقات السياسية والمالية على ما هي عليه وأن المالكي كشخص وكحزب وكحالة مازال رابض على قلب العراق اختار اللحظة الساخنة للانقلاب على شرعية الدعوة كحزب قائد و كردّ مباشر على كل الدعوات السابقة لتحسين الشروط السياسية في العراق والتي باءت بالفشل لتمسك السلفية الشيعية بحصتها المملوكة واعتبارها حصة ارثية حصريه لها دون غيرها .

  لقد فعلها مقتدى ومن غيره بقادر على ذلك وبالطريقة السائدة عراقياً وعربياً ودون اعتبار لكل الحسابات المجتمعة حول العبادي كشخص وكنصف حزب وبغض النظر وعما يجري من كرّ وفرّ بين الجيش والحشد الشعبي من جهة وبين تنظيم الدولة من جهة ثانية وبلعبة أقرب ما تكون الى مسلسل – توم وجيري - .

  لم يعد بمقدور الصدر الانسحاب من المعركة التي فتحها مع شيعة السلطة كما أن شيعة العبادي في حالة تأهب للردّ المناسب لحفظ مكتسب تاريخي أضاعوه لحظة طيشهم الطائفي والسياسي وجوعهم المالي الذي أفقدهم شرعية حكم العراق وجعلهم بنظر السنة العراقيين والعرب مجرد خونة باعوا العراق لإيران وللأجنبي .

  طبعاً لن يكون العراق أمام تحوّل كبير في صيغته السياسية لأن الدول الفاعلة مهتمة بحرب الارهاب وغير ذلك أمر لا يعنيها لذا سيبقى المشهد العراقي مشهد كرّ وفرّ وعلى خشبتيّ التحرير والصراع الداخلي وسيتمّ التعاون لتصفية ما يعطل مصالح دسمة في العراق من قبل دول حاكمة له ولن يكون مقتدى وغيره سوى دور مدروس  في المشهد العراقي .