الصورة النمطية المعروفة تاريخياً للزعيم والقائد، هي أن يقف الزعيم المفدى أمام جماهيره الغفيرة التي تصرخ باسمه وتلبي "هي له" بالقبضات المرتفعة والحناجر الملتهبة، والجماهير في هذه اللحظة تكحّل ناظرها برؤية ملامح  مخلّصها وجها لوجه، اما هو فيلوح بيده ويمررها يمنة ويسرى من فوق رؤوس الجموع، ولأنّه نصف إله فإنّ يده طبعاً فوق أيديهم وفوق العقو ، يحيّيهم وينشر عليهم بركته حتى يكاد، أو قلّ يشعر بها كل الحاضرين فرداً فرداً بلا أيّ استثناء،  وعلى الجميع أن يستشعر بنعمة  لا تعوض وقشعريرة البركة قد حلت عليه وعلى كل ذرة من ذرات جسده وروحه. 
  هكذا ومنذ بداية التاريخ، أو قبله حتى، ونحن في هذا الشرق مطبوعة في أذهاننا وذاكرتنا وصولاً إلى ثقافتنا هذه العلاقة بين الجماهير والقائد. 
  بالأمس وفي سعدنايل بالتحديد، رأينا مشهداً مختلفاً، مشهداً قلب الصورة المتعارف عليها رأساً على عقب، سعد الحريري الزعيم السياسي الأول، يقف على مكان مرتفع يستدير فيعطي ظهره لجمهوره، يرفع يده التي يحمل فيها هاتفه، يبتسم ملء قلبه وخلفه الجماهير الغفيرة تبتسم ايضاً ويأخذ صورة سيلفي معهم، وتنتشر سريعاً هذه الصورة الجميلة على معظم  صفحات السوشيال ميديا وفي وسائل الاعلام. 
  صحيح أنّ هذه الحادثة ببساطتها وعفويتها قد لا تشكل تحولاً دراماتيكياً أو انقلاباً معرفياً، ولا هي طبعاً يمكن أن يحدد من خلالها أي مراقب رأياً من مواقف  الحريري وأدائه السياسي، ولا هي حتما معياراً يبنى عليه في تحديد خيارات كبرى تساهم في بلورة أن تكون مع أو ضد هذا الزعيم. 
  ولكن وبلا ادنى شك وبدون الحاجة إلى معرفة موسعة  لما يسمى بلغة الجسد، يمكن القول ببساطة أنّ هذه السيلفي هي نافذة فعلية يمكن من خلال النظر عبرها أن تكتشف أغوار ما يجول في فكر وعقل وروح وأعماق هذا الزعيم الشاب بلا أي عناء. 
  إنّ سيلفي سعد الحريري تقول بما لا يبقي معها مجالاً  للشك أنّ هذا الإنسان  يشبه إلى حد كبير ملايين اللبنانيين، هو واحد منهم هو يحبهم هو يعيش معهم بلا تعقيدات ومن دون بروتوكولات مزيفة، هو "بسيلفيته" البسيطة يحطم كل انواع الحواجز النفسية بينه وبين محبيه، وانه يكبر بهم ويفتخر لأنّه مثلهم تماماً، يتصرف بأريحية ويعبر عن مكنوناته بلا حراجة وبلا أيّ مراعاة  لكذبة الشأنية وضروراتها من الخداع والعقد النفسية. 
  يستطيع أمثال سعد الحريري أن يأخذوا سيلفي مع جمهورهم بدون أن يشعروا بأيّ حراجة، والأهم من كل ذلك بدون أن يشعروا أنّ "الوهيتهم " قد قدحت، لأنّهم لا يعيشونها أصلاً، ولأنّهم لا يحتاجونها أيضاً.
  إنّ الزعيم الذي يحتاج أن يحيط نفسه بهالة مفتعلة من القداسة وبأكذوبة من الرهبة، هو ذلك الزعيم الذي يعرف بقرارة نفسه أنّه مضطراً لإسقاط خياراته هو على جمهوره ويخشى أيّ سؤال أو استفسار من هذا الجمهور لأنّه لا يملك الجواب الشافي، فتراه يختبئ خلفها في سبيل تعطيل العقول والحد من المساءلة. 
  هل يستطيع أيّ زعيم آخر مثلاً، وهو يرسل مقاتليه إلى حتوفهم في حرب لا ناقة للبلد فيها ولا جمل ويعرّض مصالح الآلاف من طائفته  للخطر بعد إشهار العداء للعرب، وغيرها من الخيارات أن يتخلى طوعاً عن قدسية القائد وأن ينزل بين الجماهير ويأخذ سيلفي؟؟ حتماً لا .