الاف الشباب اللبناني يشاركون الآن في المعارك الطاحنة داخل الأراضي السورية، مئات الضحايا منهم في مقتبل العمر رجعوا إلى أهاليهم في لبنان جثثاً وقتلى،  مضافاً لهم آلاف الجرحى والمعوقين، وما استتبع ذلك ولعلّ الأهم هو اشعال لفتنة سنية شيعية كانت نائمة لسنوات طويلة وقد أوقظت الآن بفضل هذا التدخل، إنّ كل هذا يبرره حزب الله ببساطة تحت شعار " الوفاء " لنظام بشار الاسد الذي وقف بحسب ادعاء الحزب إلى جانب المقاومة. 

تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية لأكثر من سنتين، وما يستتبع ذلك من كربجة معظم المؤسسات الدستورية في البلد والإنعكاس السلبي الملحوظ على الحياة اليومية للبنانيين، والتدهور الحاصل في كل المجالات الصحية والسياحية والإنمائية وصولاً إلى الأمنية منها، كل ذلك أيضاً يندرج في قاموس الحزب السياسي تحت عنوان " الوفاء" للحليف ميشال عون المصر على الجلوس فوق كرسي بعبدا. 

صحيح أنّ الوفاء بحد ذاته هو قيمة إنسانية عظمى، فرضتها وحثت عليها منظومة الأخلاق البشرية وأيدتها بعد ذلك ودفعت باتجاهها كل الأديان والشرائع الإنسانية، إلاّ أنّ هذا لا يعني أنّ الفضيلة بما هي فضيلة يمكن التستر خلفها والعمل بها تحت كل الظروف وبدون مراعاة للنتائج الحاصلة من ورائها حتى ولو أدّى العمل وفق مقتضياتها إلى إخراجها عن كونها فضيلة! تماماً كفضيلة الصدق على سبيل المثال، والذي قد يتحول في لحظة موضوعية وفي مكان معين كما في السؤال عن أسرار الاخرين أو في حالة الأسير إلى رزيلة كبرى أو حتى إلى خيانة عظمى إن مورس في غير مكانه وفي غير زمانه. 

فلا معنى ولا قيمة ولا خير أن نكون أوفياء لظالم ومستبد يعمل على تقتيل شعبه وإبادة مجتمعه كالذي يحصل في سوريا على يد بشار الأسد، وإنّ الوفاء هنا ينقلب حتما إلى رذيلة هي اقرب ما يكون الى الغدر منه الى الوفاء اضافة الى ما تقدم فان من الغرابة بمكان أنّ حزب الله الذي يدعي على الدوام بأنّه محكوم بأدبياته السياسية وخياراته إلى منظومة أخلاقية لا يمكنه الخروج عنها، وإذا بنا نراه يختبئ خلفها في أماكن تنسجم مع مصالحه ومصالح محوره وفي أماكن أخرى لا يعير هذه المفاهيم ايّ اعتبار.

  إذ أليس من الوفاء أيضاً أن نحفظ الجميل لما قدمته لنا المملكة العربية السعودية؟  لا أتحدث هنا عن لبنان ولا عن المؤسسات اللبنانية وإنّما ما قدمته وتقدمه المملكة ودول الخليج للجنوب والجنوبيين، من مساعدات مالية ضخمة ومن مشاريع وإعادة إعمار وشقّ طرقات وغيرها.

  وإن كنت لست بوارد الدفاع عن المملكة السعودية وسياساتها في المنطقة والتي عندنا عليها مآخذ كبيرة، إلاّ أنّ هذا لا يمنع من قول الحق الذي هو فضيلة لا تقل عن الوفاء والصدق. 

قد أتفهم موقف حزب الله السياسي والمعادي للمملكة على خلفية الصراع الإيراني السعودي ، وقد أتفهم أيضاً اصطفاف الحزب إلى جانب إيران وبشار ضد المملكة وضد الشعب السوري، والتحول الكبير الذي أوجده على الساحة الشيعية في لبنان، ونقل الشيعة من رأس حربة في مواجهة اسرائيل إلى رأس حربة في خاصرة إخواننا العرب، ليبقى أنّ العجب العجاب هو في سعي الحزب إلى خلق إشكاليات ضخمة في المنظومة الأخلاقية البديهية عند الشيعة بحيث تختلط في أذهانهم وتتشابك عندهم المفاهيم ولا يعودون يميزون بينها فيتحول الغدر إلى وفاء.