لا يفقه الكثيرون من اللبنانيين طريقة ايران في العمل والتفكير اذ يظنون أن القيادة المعنية الايرانية تتحرك وفق منظومة عقائدية منها ما هو مرتبط بالمذهبية الشيعية ومنها ما هو متصل بسياسات ايران المعلنة من قضايا دولية واقليمية وعربية وما هو متعلق بما تبقى من حركات تحرر ومقاومة في فلسطين ولبنان الى جانب رعايتها المباشرة للحروب في سوريا والعراق واليمن .

كما أنهم يقاربون دور ايران بمقاربة واحدة أيّ باتجاه زاوية واحدة ولا يدرون بأن ايران تعمل في كل الاتجاهات والزوايا وهي تتمسك بسياسة معنية في لحظة طبيعية وتتخلى سريعاً عما تتمسك به في أقلّ من لحظة ضاغطة على مصالح الجمهورية الاسلامية الايرانية .

يبدو رئيس وزراء العراق نوري المالكي صورة جديدة مرشدة على حقيقة تعاطي ايران السياسي فهي تمسكت بالمالكي باستخفاف عراقي داخلي وتخلت عنه بموقف دولي محتشد خلف العبادي .وعلى نفس المثال تبرز قضية عدن ومطلب الجنوبين من دولة مستقلة عن الشمال كما كانت قبل الوحدة اليمنية ودعم لايران لجهود الجنوبيين في هذا المجال واحتضان الرئيس علي سالم البيض بقوّة مالية وسياسية ومع الحرب اليمنية ومصالحة الرئيس علي صالح مع عبد الملك الحوثي وخوضهم حرب تحرير اليمن من الشرعية بدعم وبمباركة ايرانية وقع الخلاف مع الجنوبيين وتخلت ايران عنهم وعن دعوتهم بعد سنيين من الدعم المباشر لهم ولقضية الاستقلال عن الشمال .

في لبنان جهابذة 14 آذار وخاصة الجهبذ الفذّ الحريري ومعه المملكة العربية يعتقدون بل ويؤمنون بأنهم وضعوا ايران في" بيت اليك " من خلال ترشيحهم لسليمان فرنجية المنحدر سياسياً من بيت حافظ الأسد بوجه ميشال عون المنحدر من ظروف سياسية غير مطيعة لبيت الأسد وهم أي الجهابذة يرون أن ايران محشورة ولا تستطيع الموافقة على رئيس وصل الى القصر بواسطة حريرية وبمباركة سعودية ويخفا عنهم أن ايران تعمل بطريقة تريد فيها أن تكون "صديقة " للمرشحين عون وفرنجية دون أن تخسر صداقة أحدهما وهي تميل كل الميل المنفعي للمرشح فرنجية لاعتبارات عديدة من قوّة الضعف فيه الى طبيعة مسلكه السياسي المخلص لسورية وايران بخلاف المرشح عون الذي بدأ دخوله الى لبنان بعد فترة الهروب منه بدبابة فرنسية بالقرار 1559 الذي تبناه ميشال عون واعتبره أحد انجازاته الوطنية الكبرى .

وفي الوقت الذي كان يعلو فيه صوت الحريري تأييداً للمرشح فرنجية ويتحدى فيه الجميع ويدعوهم الى جلسة انتخاب رئيس للبلد تشير مصادر مطلعة الى أن وفداً سياسياً من المردة كان يزور ايران طبعاً لا لزيارة مرقد الامام الرضا (ع) وانما للتحضير لاجواء ما بعد مجيء فرنجية رئيساً لقصر بعبدا اذ ما ناله شيء من الحظ الثمين ومشت الجلسة وجرت الانتخابات .

ان ايران تستوعب الجميع رغم تناقضاتهم وتدعمهم كل بحسب حاجته وتقف مع القاتل وتحمل المقتول الى مثواه الأخير. انها تجيد السياسة "المكيافلية " كما هي أميركا التي تجمع كل تناقضات العالم تحت سقف مصالحها القومية .