بالرغم أنّ المناسبة كانت للشهداء القادة في حزب الله ، إلاّ أنّ هذا لا يمنع أن تتناول الكلمة التي كان ينتظرها اللبنانيون ملفات تخصهم وتخص بلدهم، خاصة أنّهم تعودوا في مثل هذه الإطلالات للسيد وبما يشبه هكذا مناسبات كان يتناول فيها موضوعات لبنانية، وما يمر فيه البلد من أزمات على كل الاصعدة ، وإن كان عنوان المناسبة والشخصيات المحتفى بهم غير موصولة بشكل مباشر بالشأن الداخلي.

  فكلنا يذكر أنّ اوّل ٱطلالة للسيد بعد اغتيال القيادي والأسير المحرر سمير القنطار منذ مدة قصيرة، قد أفرد فيها السيد بكلمته يومها الجزء الأكبر منها للموضوع الاقتصادي، وللقرارات الأميركية على المصارف اللبنانية وتحدث بالتفصيل الممل عن هذا الجانب حتى كاد المستمع أنّ يظن بأنّ استشهاد القنطار حدث منذ زمن طويل وبأنّه لم يمر أيام معدودة على الإغتيال!  فإن كان السيد بالأمس قد انشغل بكل قضايا المنطقة، وهرب من وجه قضيته وقضية بلده، فهذا ليس من باب عدم الإكتراث أو من خلفية الاطمئنان لما آلت إليه الامور، وإنّما بكل صراحة من باب حجم الإرباك والتأزم الذي يعيشه الحزب في هذا الإطار.

 فإذا كان السكوت من علامات الرضى كما يقولون ، فإنّه يصلح القول ها هنا بأنّ التجاهل من علامات الإرباك ، أو بشكل اوضح،  فإنّ التجاهل المقصود هو من باب تجنب المزيد من افتعال أزمات جانبية بالخصوص في فريق السيد هو بالغنى عنها في هذه الظروف الحالية.  حاول السيد بكلمته ما قبل الأخيرة أن يرتق ما يستطيع من حالة التفتق التي حدثت في صفوف فريق 8 اذار، عندما عمل على استرضاء كل من مرشحيه ميشال عون وسليمان فرنجية، إلا أنّ النتائج جاءت عكسية تماماً، ولم تنفع كل كلمات الغزل والحب والمشاعر الجياشة فكانت حاله كحال الصياد الذي يركض خلف غزالتين فلا يمسك بأيّهما .

إن مجيء سعد الحريري الى لبنان وكلمته التي ألقاها في ذكرى استشهاد والده وما تبعها من حركة اتصالات ديناميكية، استطاع من خلالها سعد الحريري أن يدب الروح مرة جديدة في جسد فريق 14 اذار، ممّا يوحي بشكل واضح أنّ ما كان يعاني منه هذا الفريق من تشرذم وضعف وحالة الوهن التي انتابته في الإونة الاخيرة لم يكن هو بحقيقة الأمر نتاج عبقرية وذكاء فريق 8 آذار كما يحاول أن يوحي إعلام هذا الفريق لمناصريه.

 بل كان نتيجة إرباكات ذاتية وسوء إدارة داخل هذا الفريق، وهذا ظهر جلياً في سرعة عودة المياه إلى مجاريها داخل مراكز  14 آذار بمجرد عودة الحريري الابن إلى لبنان وبدون أيّ جهود تذكر في هذا المضمار، على عكس حالة التخبط العميق داخل صفوف الفريق الآخر.

 لا شكّ أنّ عودة سعد الحريري إلى لبنان، واستجماعه السريع لفريقه السياسي وطرحه المنطقي والعقلاني لحلّ أزمة الفراغ الرئاسي كان لها وقع غير محمود عند حزب الله الذي لا يمتلك بالمقابل حجة دامغة ليقارع بها حجة وطرح سعد الحريري، ولا هو بوارد إنهاء حالة الفراغ الرئاسي، وعليه فلم يجد السيد بدا للخروج من هذه " الزركة" إلاّ الهروب إلى الامام والحديث عن ملفات المنطقة " والانتصارات" المعهودة في البحرين واليمن والعراق وسوريا... مما يعني أنّ الحاضر الأول في كلمة السيد كان سعد الحريري وحركته الجديدة، لدرجة أنّه لم يذكرها ولو بكلمة