كلما كثر الطباخون شاطت الطبخة ولم تعد صالحة للأكل، هذا هو حال ملف المخطوفين العسكريين في جرود عرسال، فالحكومة تبدو مربكة، فلا حلّ سحرياً لديها خصوصاً بعد إقدام المسلحين الإرهابيين على قتل الجندي علي البزّال... ثم يُطلب من هيئة العلماء المسلمين تبني التفاوض مجدداً وتطلع تصريحات من هنا وهناك، واحدةٌ، تدعو الى التفاوض دون شروط وأخرى تدعو الى التفاوض على أساس المقايضة... فيما تستمر الأقطاب السياسية بالتصريح والتلميح الى انتقاد الجيش اللبناني الذي يحاصر المسلحين في الجرود ويقطع عنهم طرق الإمداد، وكان آخرهم موقف الرئيس سعد الحريري الذي اعتبر في آخر تصريح له على تويتر أن ما يجري هو حصار عرسال...

كل هذه التصريحات والإشارات تدلُّ على تخبط حكومي وعدم قدرة على اتخاذ القرار الذي يحفظ هيبة الدولة أمام مجموعات تكفيرية تبتز لبنان كلّ يومٍ بتواطؤ خليجي وعربي...

وفي داخل الحكومة تتعدد الآراء، فهناك وزراء طالبوا بتنفيذ حكم الإعدام الصادر عن القضاء بحق بعض الموقوفين لكنّ وزراء آخرين رفضوا هذا الطلب وبالتالي فهذا التناقض يضعف موقف الدولة لا بل يزيد المسلحين تصلباً في مواقفهم وشروطهم، فهم في الجرود ليس لديهم الكثير مما يخسرونه، أما الدولة عندنا فكل يوم تأخير في اتخاذ القرار الصائب يزيد من هشاشة هذه الحكومة التي يبدو أنها تترنحّ بين مواقف وزرائها المتعارضة حيال هذا الأمر...

وبعد مرور أشهر على خطف الجنود ما الذي تحقق؟ لا شيء! المفاوضات غير مجدية، استشهاد المزيد من العسكريين، معاودة استهداف الجيش وآخرها ما جرى في القلمون، انسحاب قطر من المفاوضات... دخول هيئة العلماء المسلمين على خط التفاوض بلغة مذهبية لا تُبشر بخير...

وإذا كانت الدولة عاجزة عن حلّ قضية جنودها في جرود عرسال، فكيف سنراها في الأيام والأسابيع والشهور المقبلة عندما ستزداد الضغوط الدولية والإقليمية على سوريا لأن كل طرفٍ مشاركٍ في الصراع هناك يحاول تجميع أوراقه القوية ليفرض نفسه بقوة على طاولة المفاوضات. فماذا هي فاعلة حكومتنا التي يبدو أنها حكومة بلا قرار وستبقى حكومة اللاقرار الى أجلٍ غير مسمى.

أما أهل الجنود العسكريين المخطوفين فما عليهم إلا الصبر ومزيداً من الحكمة في التصرف حتى لا يضيع هذا الملف أيضاً كما ضاع غيره في ملفات الحسابات الطائفية والسياسية وغيرها... كان الله بعونكم وعون أولادكم....