قبل ان يجفّ حبر توقيعه على "اتفاق السلم والشركة الوطنية"، اعلن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي عن مؤامرة كبيرة تحالفت فيها قوى خارجية وداخلية وتجاوزت حدود الوطن، بينما كان الحوثيون يحتفلون بما اعتبرته طهران "انتصارا للجمهورية الاسلامية في صنعاء"!

لكن الانتصارات في بلد مدجج بالسلاح والقبائل ليست سهلة ودونها حروب وصراعات كثيرة، ويعرف عبد الملك الحوثي زعيم "انصار الله" الذي خاض سبع حروب مع حكومة صنعاء، ان اليمنيين يعدّون ٢٠ مليوناً لكنهم يملكون ٦٠ مليون قطعة سلاح، اضافة طبعاً الى الخناجر التي تزيّن وسطهم!
الحوثيون الذين نزلوا من صعدة واجتاحوا صنعاء رفضوا توقيع الملحق الأمني، وفرضوا سيطرة مسلّحة على مؤسسات الدولة ونقلوا اسلحة الجيش من الثكن الى صعدة، بعدما كان هذا الجيش قد قدّم السيناريو الذي قدمه الجيش العراقي منهاراً في نينوى والموصل، فلم يتدخل لمنع الحوثيين من اجتياح صنعاء، حتى ان وزير الداخلية ذهب الى الاستقالة فيما غاب وزير الدفاع عن السمع!
واذا كان هادي أصيب بالصدمة من "تسليم مؤسسات الدولة ووحدات الجيش الى المسلحين الحوثيين"، واذا كان المبعوث الأممي جمال بن عمر الذي صاغ الاتفاق مصاباً بالذهول لانهيار القوات المسلحة، ويصف ما جرى بأنه خطير ويهدد بانهيار الدولة، فمن الواضح ان اليمن ينزلق سريعاً الى حرب اهلية سعيرها مذهبي وقبلي، وهو ما سيفتح جبهة جديدة للصراع البغيض بين السنّة والشيعة، الذي تندلع نيرانه في أمكنة كثيرة من هذه المنطقة التاعسة.
ليس غريباً إذا ذهب اليمن الجنوبي الى الانفصال، تماماً كما يريد الأكراد دولتهم في العراق، ولا من المستغرب اذا كان اليمن سيغرق في حروب مدمرة قد تدفعه الى استنساخ الصوملة القريبة جنوباً، وعندما يتحدث عبد الملك الحوثي بدوره عن مؤامرة تستهدف المؤسسة العسكرية، وان بعض القادة العسكريين يقومون بتحركات مريبة في مأرب والبيضاء ويسعون لتسليم الألوية الى "القاعدة"، فذلك يعني ان شرارة الحرب المذهبية انطلقت في اليمن.
صحيفة "كيهان" الإيرانية الرسمية كتبت قبل عشرة ايام انه بعد نجاح الثورة الاسلامية في صنعاء سيأتي الدور على السعودية، لكن سقوط صنعاء قد يغرق اليمن والحوثيين وحلفاءهم الايرانيين في رمال دموية متحركة، لأن طبيعة اليمن ونسيجه القبلي والمذهبي وإفراطه في العنف سرعان ما ينقله الى نوع أدهى من الصوملة.
واذا كانت صنعاء في حسابات طهران تشكّل بديلاً من خسارتها المؤكدة لدمشق والاسد، وكذلك من التراجع النسبي في هيمنتها على القرار العراقي، فإن بيادر اليمنيين قد لا توافق هذا الزرع لأننا في بلد مدجج بالسلاح والعنف والقبلية والشعور المذهبي، ولن يكون في وسع الحوثيين ان يهضموا الوجبة اليمنية.