للمرة الثانية على التوالي، يستند النائب نقولا فتوش  إلى مقولته الشهيرة "الضرورات تبيح المحظورات"، مضيفًا اليها عبارة الاسباب الموجبة للدولة ليطلق السباق المحموم بين التمديد للمجلس النيابي الحالي أو إعادة إنتاج الطبقة السياسية التي تحكمت بالبلاد والعباد منذ اتفاق الطائف في ظل قوانين ما زالت تحمل المضمون نفسه وان كان بتفسيرات او تقسيمات محددة للمحافظة على الستاتيكو السياسي في البلاد من دون ان تغير في الشكل ولا في موازين القوى التي تعيد انتاج نفسها بالرغم من الازمات السياسية والاقتصادية المستمرة منذ عقود وهي تراوح بين عدم الثقة بالتركيبة المتحكمة بالمسارات الداخلية والمطالبة الدائمة بنتاج نظام سياسي جديد يتماشى مع التحولات الاقليمية والدولية الطارئة.
في هذا السياق، تطرح الاوساط علامة استفهام كبيرة حول ما اذا كان فتوش تكلم باسمه الشخصي او باسم رئيس مجلس النواب نبيه بري . فالاول يشكل حالة فريدة اذا ما جاز التعبير بعد ان تخلى عنه نواب كتلته من دون استثناء، بيد ان كل واحد من اعضائها التحق فور اعلان نتائج الانتخابات في العام 2009 بالحزب او التيار الذي ينتمي اليه فغرد منفردا خارج سربه السياسي. بيد أنه فشل في نسج علاقات مميزة مع رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون لاسباب مبدئية تتعلق باتهامات متصلة بالفساد السياسي على خلفية الاستئثار بكسارت البقاع ومواردها المالية الضخمة واقتسامها مع رجال اعمال من خارج الاطار او السياق بحسب التعبير، بحيث ترجح الاوساط عينها ان يكون فتوش قد نطق زورا باسم بري، الذي سارع للالتفاف على مشروع قانون التمديد الذي تقدم به فتوش وهو يتضمن تمديدا لاكثر من سنتين، مع علمه اليقين باستحالة اجراء الانتخابات النيابية في موعدها الصحيح اي في تشرين الثاني المقبل نظرا للظروف الامنية المخيمة على البقاعين الشمالي والاوسط في ظل تواجد عدد كبير من النازحين السوريين القادرين على الخربطة، كما على الشمال برمته انطلاقا من عاصمته طرابلس وانتهاء بعكار والضنية، ما يرجح بان يكون النائب الزحلي المغرد خارج اطار الكتل الفاعلة على تنسيق مسبق مع رئيس مجلس النواب العازم على امساك العصا من وسطها.
وتلفت المصادر إلى أنّ بري بدوره يدرك الصعوبات الامنية والتقنية ويرى فيها عائقا امام انجاز الاستحقاق من دون أن يعني ذلك الحاجة الى كل هذه المدة الطويلة انما تكفي الاشارة التي اطلقها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط حول الحاجة الى اشهر قليلة بعد الانتهاء من جولته على اركان الثامن من اذار، اي امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله وبري والنائب ميشال عون اضافة الى رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري. بيد ان بري الممسك بالمجلس النيابي باحكام يدرك ايضا ان الظروف السياسية ونبض الشارع لا يصبان على الاطلاق في مصلحة التيار الازرق خصوصا بعد موجة التكفير والاصولية السائدة في الشارع السني، ما يعني أن بري اثار موضوع الاستحقاق النيابي من باب التمديد ورفضه للمساومة على ملفات داخلية متصلة، وذلك بعد التأكد بان اي عملية انتخاب ديمقراطي لن تعيد انتاج زعامة الحرير لا في الشمال ولا في البقاعين الاوسط والغربي، بل ستنحو باتجاه التيارات المتشددة.
هذا لا يعني بحسب الاوساط ان الاستحقاق بات في عهدة الكتل النيابية المحلية، بل انه اصبح في سلة التسوية الاقليمية المفترضة، ما يعني ان قرار التمديد التقني او التمديد الطويل هو رهن ارادة الخارج ومشاريعه المتصلة بمستقبل لبنان والدور المطلوب منه في هذه الظروف بالذات وما يليها من مراحل تحتم هذا الاتجاه او ذاك، ما يعني بان اثارة موضوع الاستحقاق النيابي من اوله الى آخره يأتي في اطار لعبة الكباش الاقليمية المتحولة تدريجيا الى صراعات لتحسين المواقع التفاوضية.