السؤال الذي يثير خلافاً وجدلاً بين فريقي 8 و14 آذار هو: من المسؤول عن عدم اتخاذ الاجراءات الكفيلة بضبط الحدود اللبنانية مع سوريا؟ وماذا كان موقف كل منهما، لا بل ماذا كان موقف الرئيس بشار الأسد؟

في أيار من عام 2006 قام الرئيس فؤاد السنيورة بأول زيارة له للعاصمة البريطانية، وأكد أن الهدف من زيارته هو الحصول على دعم بريطانيا لمطالبة لبنان بانسحاب اسرائيل من الاراضي التي لا تزال تحتلها في مزارع شبعا "لأن استمرار هذا الاحتلال يعرقل عودة الدولة لأن تكون الحامية الحقيقية للبنانيين ويهدد عودة الاستقرار الامني والسياسي للبلاد". واعتبر مقاومة الاحتلال حقاً مشروعاً للشعب اللبناني "ولكن ليس أمراً يحتكره قسم من اللبنانيين فقط". ورداً على سؤال عن موضوع ترسيم الحدود مع سوريا في منطقة مزارع شبعا وإقرار السيادة اللبنانية عليها، قال السنيورة: "إن السوريين اعتبروا أن البيِّنة على من ادّعى" ولا شأن لهم بالجدل الدائر حول هوية مزارع شبعا. وحين طالب لبنان بترسيم الحدود في المنطقة، قال السوريون إن الترسيم "يعني غثيان"، فطالب لبنان بـ"تحديد" الحدود، ورد السوريون: "كيف نحددها واسرائيل تحتل المنطقة؟"! وقال السنيورة: "إن الموقف السوري الداعي الى ارجاء ترسيم الحدود بين البلدين الى ان يتحرر الجولان، يعني إبقاء الاحتلال الاسرائيلي وإبقاء السلاح بأيدي مجموعة من اللبنانيين، ويعني أن الدولة لا تستطيع أن تكون صاحبة السلاح الأوحد في البلاد". وعن زيارته المقترحة إلى دمشق، قال السنيورة إنه لا يزال بانتظار إتمام هذه الزيارة لكنه لا يستجديها، مؤكداً "رغبة لبنان في إقامة علاقات مبنية على الثقة والندية مع سوريا، فقد آن الاوان لأن يعتاد اللبنانيون حكم أنفسهم بأنفسهم وأن تعتاد سوريا رؤية لبنان مستقلاً وسيد أمره. فلبنان الحر المستقل أقدر على مساعدة نفسه وسوريا والعرب من لبنان التابع".
وفي العام نفسه اي 2006 صدر القرار 1680 عن مجلس الامن والذي نص على دعم تحديد الحدود المشتركة بين لبنان وسوريا خصوصاً في المناطق التي تعتبر فيها الحدود غير مؤكدة أو محل نزاع (مزارع شبعا)، وعلى دعوة لبنان وسوريا إلى اتخاذ تدابير ضد عمليات نقل الاسلحة الى الاراضي اللبنانية، وأيضا على دعوة كل الدول والأطراف المعنيين (إيران وسوريا) للتعاون الكامل في مجال تنفيذ جميع متطلبات القرار 1559.
وعندما طالبت الحكومة برئاسة الحريري بترسيم الحدود مع سوريا تنفيذا للقرار 1680 وصف الرئيس الاسد الموضوع بأنه "شأن ثنائي بين سوريا ولبنان ولا يكون بضغط خارجي، وعندما يأتي بطلب من الخارج نحن لا نتحرك". ودعا الى "القيام قبل كل شيء باجراءات قانونية تحدد ملكيات أصحاب الاملاك وبعدها نقوم بعملية ترسيم على الواقع ويتم إنهاء الموضوع. أما أن نمنح ورقة لأسباب سياسية فهذا كلام غير منطقي". واعتبر ان الذي سقط في لبنان هو "مشروع الشرق الأوسط الذي تحدثت عنه وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس وكان لبنان جانباً فيه والعراق جانباً آخر وإسقاط الانظمة والدول".
وقد اضطر الرئيس الحريري إلى إصدار بيان عن مكتبه الاعلامي يقول فيه ان الكلام المنسوب الى الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة مايكل وليامس عن حصوله على تأكيدات سورية بتقدم متوقع على صعيد ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، من شأنه أن يولّد التباساً يهم المكتب الاعلامي للرئيس الحريري ان يؤكد ان لبنان يتعامل مع هذه المسألة بصفتها مسألة بين جارين عربيين شقيقين وان بحثها يجري بعيداً عن التصريحات الاعلامية".
ورغم هذا الايضاح الذي قصد منه تسهيل عمليات ترسيم الحدود فإن سوريا ظلت على موقفها الرافض لأسباب شتى ولذرائع مختلفة اعتقاداً منها أن عدم ترسيم هذه الحدود توصلاً الى ضبطها هو في مصلحتها... إذ ان الحفاظ على غموض ملكية مزارع شبعا يبقيها ورقة تستعملها في مفاوضاتها مع اسرائيل حول الجولان، كما يعطي "حزب الله" سبباً يبرر استمرار المقاومة...
وفي آذار 2007 انشئت لجنة مراقبة الحدود الشمالية وضبطها وضمت ممثلين عن الجيش والامن الداخلي والامن العام والجمارك، واعتبرت مسؤولة عن وضع منهاج العمل والاجراءات اللازمة للتنفيذ. لكن أحداً لم يعرف ما إذا تم التنفيذ وكيف أو لم يتم ولماذا، فظلت الحدود مفتوحة لمرور الاسلحة والمسلحين من لبنان الى سوريا ومن سوريا الى لبنان، وعاد الحديث عن ضرورة ضبطها ولكن بعدما وقع ضرر إبقائها سائبة، وعادت المطالبة بإغلاق الحدود أو بإقامة أبراج مراقبة أو نشر الجيش مع قوات دولية إذا لزم الأمر، وعاد الخلاف بين المسؤولين حول كيفية ضبط هذه الحدود ليبقى الخلاف سبباً لاستمرار الفلتان..